بتَولِّي «محمد علي باشا» حُكمَ مصر انطلقت البلاد بخُطًى سريعة نحو بناءِ دولةٍ عصرية تأخذ بقِيَم الحداثة ولو قليلًا، وهو ما كان واضحًا في اهتمامه بإرسال البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية، وكذلك بناء المدارس العسكرية الحديثة. وعلى الرغم من أن هذه الجهودَ التطويرية كان الهدفُ الأساسي منها هو بناءَ جيش قوي يُمكِّن «محمد علي» من السيطرة العسكرية ويُحقِّق له مشروعه التوسُّعي، فإنها أيضًا أفادَت مصر علميًّا وحضاريًّا بما لا يُقاس. ولعل بعثتَه الاستكشافية لمنابع النيل الأبيض التي موَّلها وجهَّزها بسخاءٍ هي إحدى الثمار الحضارية لهذه النهضة؛ فلأولِ مرةٍ يضع المصريون خرائطَ دقيقة لمجرى النهر وجغرافيته الطبيعية مصحوبةً بوصفٍ لمن يسكن ضِفافه من قبائلَ بَدائية، لتُثيرَ نتائجُ الرحلة الهيئاتِ التجاريةَ والعلمية بأوروبا، وتُحفِّزها لاكتشاف الأقاليم التي يمر بها النيل، وتُمهِّد لرحلاتٍ كشفية جديدة.
سليم قبودان: رحَّالةٌ وجغرافيٌّ مصري، وضابط بحرية. وُلد «محمد سليم باشا قبودان» في تركيا، ثم انتقل في طفولته للعيش في مصر مع عائلته، وفي عهد «محمد علي باشا» الْتَحق بالبحرية المصرية، ثم أصبح ضابطًا في ترسانة الإسكندرية، حتى أَوكَل إليه «محمد علي باشا» رحلةً لاكتشاف منابع نهر النيل؛ فكان له سبقُ الذهاب إلى أفريقيا الاستوائية، قبل ذهاب البعثات الأوروبية إليها، وكان لتلك البعثة التي ذهب إليها سبقُ اكتشاف العديد من المعلومات حول حوض النيل ومنابعه.