يعدُّ هذا الكتاب وصفًا للرحلة التي قام بها أحمد زكي باشا إلى أوروبا بغرض حضور مؤتمر المستشرقين في لندن، والذي رُشِّحَ إليه من قِبَلِ الخديوي. وقد برع الكاتب في رسم الصور الجمالية لكلِّ بلدَةٍ زارها، وكأنه يُقاسمنا جمال الدنيا بعينيه، حيث يشعرنا أننا نُقاسمه هذا الجمال حين يكتب عن المقومات الاجتماعية والعمرانية للحضارة الأوروبية، مُبْدِيًا إعجابه بالنهضة التقدمية التى وصلت إليها أوروبا آنذاك. وقد قدَّم لنا أحمد زكي باشا في كتابه هذا أمثلةً كثيرة من تاريخ الأندلس، كما ضمَّ أبحاثًا تختص بالأسماء الأندلسية، وأصولها الإسبانية والعكس، كما وضَّح فوائد السفر، وتحدث عن مكانة المرأة في عددٍ من البلدان التي زارها.
أحمد زكي: مفكر مصري عربي، يُعَدُّ أحد أعمدة النهضة العربية الحديثة، وهو أول من أدخل علامات الترقيم في الكتابة العربية الحديثة، وصاحب مكتبة شخصية تضم حوالي ثمانية عشر ألف مجلد، وهو أول من أطلق على الأندلس التسمية الشهيرة «الفردوس المفقود»، وأول من استخدم مصطلح «تحقيق» على أغلفة الكتب العربية، وهو أحد الرواد الذين عمِلوا على جمع المخطوطات، وتصويرها بالفوتوغرافيا وتحقيقها، وقد لقب ﺑ «شيخ العروبة». وُلِدَ «أحمد زكي باشا إبراهيم» عام ١٨٦٧م، وتُوُفِّيَ أبوه وهو صغير، فكفله عمه الذي كان رئيسًا للمحكمة الابتدائية الأهلية. وقد تلقى أحمد زكي تعليمه بالقاهرة، وتخرج في مدرسة الإدارة (كلية الحقوق) عام ١٨٨٧م، وقد أجاد زكي الفرنسية إجادة تامَّة إضافة للإنجليزية، والإيطالية، واللاتينية، كما عمل مترجمًا في مجلس الوزراء، وتدرج في المناصب حتى أصبح سكرتيرًا للمجلس عام ١٩١١م، حتى أُحِيلَ إلى التقاعد. وقد عاصر أحمد زكي باشا كبار أعلام النهضة العربية كرفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، فكان لا يقل عنهم قدرًا بعلمه، وقد كان «زكي باشا» كثير السفر والترحال؛ فقد سافر إلى إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، كما سافر إلى الشام، وإسطنبول، والقدس، واليمن، وقبرص. وقد تَرَكَتْ هذه الأسفار أثرًا كبيرًا في حياته العلمية والأدبية؛ حيث أتاحت له زيارة عشرات المكتبات والاطِّلاع على مؤلَّفات أعلام الشرق والغرب. وقد كرَّس الرجل جهوده الفكرية في التحقيق والترجمة والتأليف، فكتب في التاريخ، وأدب الرحلات، والأدب، واللغة، وحقَّق كثيرًا من المخطوطات؛ فقدَّم لنا أكثر من ثلاثين كتابًا مؤلَّفًا، كما ترجم العديد من الكتب، بالإضافة إلى مئات المقالات التي كَتَبَهَا في مجموعة من الصحف والمجلات العربية — آنذاك — كالأهرام، والمقطم، والبلاغ، والمؤيَّد، والهلال، والمقتطف، والمعرفة، والشورى، ومجلة المجمع العلمي (دمشق). وقد تميز زكي بانتقاده للأساليب التقليدية في الكتابة، حيث طالب بلُغَة واضحة ومألوفة تُلَبِّي احتياجات الأمة الفكرية والحضارية، وقد اعتمد أسلوبه في الكتابة على التشكيل البصري، فتحرر من السجع والمحسِّنات البديعية. وقد تُوُفِّيَ عام ١٩٣٤م إثر إصابته بنزلة بردٍ حادة.