يُقدِّمُ لنَا «أولدس هكسلي» صُورةً فَرِيدةً مِن أَدَبِ المَدِينةِ الفاضِلةِ أو اليُوتُوبيا؛ صُورةً يَجعَلُ فِيها مَدِينتَهُ — أَو بالأَحْرَى جَزِيرَتَهُ — غَيرَ مُنعَزِلَةٍ عَنِ العَالَم، ولَا أَبَدِيَّةَ النَّعِيم، لا تُلِينُها الرَّفَاهِيَة، ولا تُلهِيها المَادِّية، ولا يَنقُصُها الشَّغَف … هيَ جَنَّةٌ أَرضِيَّةٌ وَفِيرةُ الثَّروة، مَحكُومَةٌ بِوَعيٍ وَضَمِيرٍ وَفِكرٍ مُستَنِير. وكالعَادَةِ يَكُونُ الجَمَالُ مَحَلَّ أَطْماعِ الرِّجَال؛ فَهُناكَ مَن يَستَكثِرُ النِّعَمَ عَلى غَيرِه، ويَرَى نَفسَهُ أَحَقَّ بِها مِنه، فَيَسطُو ويَحتَلُّ ويَظُنُّ أَنَّهُ بِتَدمِيرِهِ للمَظَاهِرِ المَادِّيةِ قَد تَملَّكَ جَوهَرَ الحَضارةِ ومَلَكَ ناصِيةَ المَدَنِية، ولَكنْ مَن أَدرَكَ حِكمةَ الحياةِ لا تَهزِمُهُ دَواعِي المَوت؛ فَالخَيرُ فِيهِ مُتأصِّل، والنُّورُ فِيهِ كامِنٌ يَنتَظِرُ وَقتَهُ المُناسِبَ للنُّهوضِ مِن جَدِيد.
أولدس هكسلي: كاتبٌ إنجليزيٌّ شهير، له العديدُ مِنَ الرِّواياتِ والقصصِ القصيرة، وكتَبَ سيناريوهاتٍ لعدَّةِ أفلام. وُلِدَ «أولدس ليونارد هكسلي» عامَ ١٨٩٤م بإنجلترا، وبدأَ حياتَه الأدبيةَ بكتابةِ الشِّعر، وكتَبَ روايتَهُ الأُولى وهوَ في عُمرِ السابعةَ عَشرة. اهتمَّ هكسلي في كتاباتِه بالقضايا الإنسانية، والتصوُّفِ الفلسفي، ووُصِفَ بأنه مُعادٍ للحُروب. تُوفِّيَ هكسلي في الثاني والعشرين من نوفمبر عامَ ١٩٦٣م.