«استجاب للإشارة مئاتُ المسلمين المتناثرين في المقاهي وأمام واجِهات المحلات وفي الشوارع المجاوِرة للبولفار، فاكتسحوا قارعة الطريق، وتشكَّلت المظاهَرة في دقائق. ومن تحت المَعاطِف، خرجت لافتاتٌ صُنعت على عجَل. وبعيدًا، أخذ بعضهم يفرد لافتة «لا لحظر التجوُّل». احتلَّت مجموعة من النساء الجزائريات — بزيِّهنَّ التقليدي — مقدمةَ المظاهَرة، وهنَّ يطلِقن أصواتًا حادة يسميها الفرنسيون «يو-يو».»شهدت باريس ليلةً دامية في ١٧ أكتوبر ١٩٦١م؛ إذ نظَّم جزائريون فرنسيون مظاهَرةً احتجاجًا على قرار حظر التجوُّل الصادر ضد مسلِمي فرنسا والجزائر في باريس، فقمعَت الشرطة الفرنسية المظاهَرةَ بمذبحةٍ عُتِّم عليها، وخلَّفت وراءها أربعمائة قتيل فرنسي جزائري. جاءت هذه الرواية لتسلِّط الضوءَ على هذه المذبحة، وتهتكَ سِترَ هذا التعتيم، في قالبٍ أدبي يُعلي من قيمة الإنسان ويكشف بشاعةَ هذه الجريمة، وذلك من خلال التركيز على حياة ثلاثة أشخاص رئيسة شارَكوا في المظاهَرة، هم: «سعيد ميلاش»، وخطيبته «خيِّرة جيلانين»، ومدرس التاريخ «روجيه تيرو» الذي اغتيل أثناء عودته إلى بيته تاركًا خلفه زوجةً تحمل جنينَه. بعد مرور ٢١ عامًا يصبح ابن «روجيه» باحثًا في التاريخ ويبدأ البحث في هذه المذبحة، ولكنه يَلقى مصير والده!
ديدييه دينانكس: مؤلِّف وسياسي يساري فرنسي من أصل بلجيكي، اشتُهر بكتابته للأدب البوليسي أو ما يُعرف بالأدب المظلِم. وُلد عام ١٩٤٩م في مدينة سان دوني من ضواحي باريس. عمل في صِباه في مطبعة، ثم أصبح مشرفًا ثقافيًّا عامًّا لضواحي باريس الشمالية، وعمل صحافيًّا في عدد من الصحف المحلية قبل نشره روايتَه الأولى «اغتيالات للذكرى» عام ١٩٨٣م، التي تعرَّض فيها لأحداث المذبحة المسكوت عنها التي ارتكبَتها الشرطة الفرنسية ضد ٤٠٠ فرنسي مسلم في أكتوبر ١٩٦٦م. وفازت الرواية بجائزة «فايان كوتورييه»، والجائزة الكبرى في الأدب البوليسي، وأُخرِجت في عمل تلفزيوني فرنسي. أتبَع «دينانكس» روايتَه الأولى بالعديد من روايات الجريمة وقصصها، ومن أشهرها: «عملاق لم يكتمل»، و«نهاية النهايات»، و«الجلَّاد وقرينه»، و«ضوء أسود». ومع غزارة إنتاجه، يحتل «دينانكس» مكانةً مرموقة بين كتَّاب الأدب المظلِم الفرنسيين، وتتميَّز أعماله بجمعها بين البُعدَين التاريخي والسياسي، وتناوُلها أحداثًا تاريخية فارقة وحسَّاسة، مثل الحرب العالمية الثانية والحِقبة الاستعمارية، مع جنوحه الواضح إلى تفكيك الرواية الرسمية لهذه الأحداث، وتحرِّي حقائقها ومُلابَساتها، وإعادة نسجها في قالب سردي غني ومشوِّق.