يُعَدُّ هذا الكتابُ من أشهرِ كُتبِ الرِّحلاتِ في التاريخ؛ فقد عُرِفَ «ابن بطوطة» بكثرةِ أَسْفاره، وبسببِ شُهرتِه العالميةِ لقَّبَته «جمعيةُ كامبريدج» ﺑ «أمير الرحَّالةِ المُسلمِين». بدأَ «ابن بطوطة» رِحلتَه من «طنجة» مَسقطِ رأسِه؛ ناويًا حجَّ بيتِ اللهِ الحرام، ورحَلَ دونَ رفيقٍ ولا قَرِيب، واتخذَ في كلِّ مدينةٍ وقَفَ فيها صاحبًا، فحكى عنه وعن المدينةِ التي قابَلَه فيها. قُدِّرَ زمنُ رِحلاتِه بما يَقربُ من الثلاثينَ عامًا، وقد أَمْلى على «ابن جزي الكلبي» تَفاصيلَ تلكَ الرِّحلاتِ ونَوادرَها، وبعدَما انتهى منَ التدوينِ أطلَقَ على مؤلَّفِه هذا اسمَ: «تُحْفة النُّظَّارِ في غرائبِ الأَمْصارِ وعجائبِ الأَسْفار». لم يَكْتفِ «ابن بطوطة» بالوصفِ الخارجيِّ للأماكنِ التي زارَها، بل استفاضَ في الحديثِ عن مَداخلِ المدنِ ومَخارِجِها وطَبائعِ الشعوبِ المُختلِفةِ التي عاشَرَها، وسرَدَ العديدَ منَ الحِكاياتِ المشوِّقةِ التي جعَلَتْه من رُوَّادِ أدبِ الرحلاتِ في الأدبِ العربي، حتى إنَّنا لا نَستطيعُ الإشارةَ إلى شخصٍ كثيرِ التَّرْحالِ دونَ أن نلقِّبَه ﺑ «ابن بطوطة».
ابن بطوطة: هو أحدُ أشهرِ رحَّالةِ العَرب، اشتُهِرَ برِحلاتِه التي استغرقَتْ ما يَقربُ من الثلاثينَ عامًا، زارَ فيها كلَّ ما عُرِفَ من بلادِ العالَمِ في عصرِه. وُلِدَ «محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي» الشهيرُ ﺑ «ابن بطُّوطة» بالقربِ من مَضيقِ جبلِ طارقٍ في مدينةِ طنجةَ عامَ ٧٠٣ﻫ/١٣٠٤م، واشتُهِرتْ أسرتُه بالاشتغالِ بالقضاءِ في عهدِ الدولةِ المرينيَّة، فتعهَّدَه والِداه بالرعايةِ لإعدادِه لتولِّي منصبِ القضاءِ كما هيَ عادةُ أسرتِه، لكنَّه ومعَ إتمامِه سنَّ الثانيةِ والعشرينَ أرادَ أداءَ فريضةِ الحج، فبدأتْ رِحلتُه عامَ ٧٢٥ﻫ وانتهتْ بعودتِه إلى مدينةِ فاسَ بشمالِ أفريقيا عامَ ٧٥٤ﻫ. وعقِبَ عودتِه من رِحلتِه أمَرَ السلطانُ «أبو عنان فارس المريني» ابنَ بطُّوطةَ أن يدوِّنَ رِحلتَه، وأمَرَ كاتِبَه «محمد بن أحمد بن جزي الكلبي» بالكتابةِ إملاءً عن ابنِ بطُّوطة، وقد خرجَتْ في حُلَّتِها المعروفةِ بعدَ تنقيحِ ابن الكلبي وتهذيبِه عامَ ٧٥٦ﻫ. تولَّى ابنُ بطُّوطةَ القضاءَ بالدولةِ المرينيَّةِ بعدَ عودتِه من رِحلتِه وحتَّى وَفاتِه عامَ ٧٧٩ﻫ/١٣٧٧م. ابن جزي الكلبي: العالِمُ والخطيبُ والمُحدِّثُ والمُفسِّرُ والشاعِر، واحدٌ من أعلامِ أهلِ الأندلس، وأحدُ شيوخِ المؤرِّخِ الكبيرِ «لسان الدين الخطيب». وُلِدَ «محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي الأندلسي» في مدينةِ غرناطةَ عامَ ١٢٩٤م، لأسرةٍ يمنيةٍ تَنتمي لقبيلةِ بني كلبٍ العربية؛ حيث قدِمَتْ أسرتُه إلى الأندلس في نهايةِ القرنِ الثاني الهجري، واستطاعَتْ أنْ تحتلَّ مَكانةً بارزة؛ حيثُ كانَ لأحدِ أجدادِه مكانةٌ كبيرةٌ في دولةِ المرابِطِين، كما تولَّى جَدُّه مَنصبَ القضاء. وقد حفِظَ ابن جزي القرآنَ الكريمَ وتلقَّى العلمَ على يدِ مجموعةٍ من شيوخِ عصرِه، أمثالِ الإمامِ أبي جعفر بن الزبير، وأبي عبد الله بن رُشيد. نبغَ ابنُ جزي في عددٍ منَ العلوم، منها: عِلمُ القراءاتِ والفِقهُ والحديثُ والتفسيرُ واللغةُ والشِّعرُ حيثُ اشتُهِرَ بشِعرِ الشَّكوى والتصوُّف. وتتلمذَ على يدِه عددٌ منَ العلماء، وعلى رأسِهم لسانُ الدين بن الخطيب صاحِبُ كتابِ «الإحاطة في أخبار غرناطة». ومِن مُؤلَّفاتِ ابن جزي: «النورُ المبينُ في قواعدِ عقائدِ الدِّين»، و«تقريبُ الوصولِ إلى علمِ الأصول»، ويُعَدُّ كتابُه «القوانينُ الفقهيَّة» واحدًا من أهمِّ كُتبِ الفقهِ الإسلامي؛ حيثُ استطاعَ فيه أنْ يَستعرِضَ تاريخَ الفقهِ مُتماشيًا معَ كافَّةِ المذاهِبِ الإسلاميَّة. كما له فضلٌ كبيرٌ في أنْ تَصِلَ لنا رحلةُ «ابنِ بطُّوطةَ» المسمَّاةُ «تحفةُ النُّظَّارِ في غرائبِ الأمصارِ وعجائبِ الأسفار»؛ حيثُ الْتَقى ابنُ جزي بابنِ بطُّوطةَ في مدينةِ فاس بالمغربِ عامَ ٧٥٦ﻫ، وأملى ابنُ بطُّوطةَ عليه رِحلتَه التي نُشِرتْ لأولِ مرَّةٍ عامَ ١٨٥٣م. عاشَ ابنُ جزي في وقتٍ كانَ الصراعُ فيه على أشدِّه بينَ المسلمِينَ والمسيحيِّين، وماتَ أثناءَ مُشارَكتِه في مَعركةِ طريف بالأندلس عامَ ١٣٤٠م.