«أنت تعمل في كل شيء … وقد أصبح المال بالنسبة إليك غايةً لا وسيلة … العيب ليس في العمل، وإنما في طريقة العمل. والمال عظيم طالما بقي وسيلة، وكارثة حين يُصبح غاية … أنت لا تُراعي الله، وما دمتَ لا تراعي الله فأنت لا تُفكِّر بإنسانيةٍ في معاملتك، لا يُهمُّك أن تُخرب بيوت الناس وتمحقهم محقًا لتنالَ أنت بضعة نقود.» يَروي لنا الكاتب الكبير «ثروت أباظة» قصة «هارون» الجشِع؛ ذلك الشاب الذي وَضع جَنْي المال نُصبَ عينَيه وجعله هدفًا وحيدًا لا بديل له ولا مزيد عليه، حتى أصبح المالُ معبودَه وإلهَه؛ فأنسَاه نفسه وزوجه وأبناءه، وفقَد الحبَّ والفرحةَ بأي شيءٍ إلا بزيادة رصيده في البنوك أو ما يملكه من الفدادين والأطيان؛ فكان قاسيًا على أولاده حتى عقُّوه كبيرًا، وعاقبه الله على حبه وعبادته المالَ بفقدان الأبناء وكل الأملاك. يُحاول «ثروت أباظة» في روايته نشر قِيَم القناعة وحبِّ الخير والرضا وأهمية بِر الوالدَين.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.