«دَعِ الضاربَ يَضرب؛ فيَدُه التي تَضربُ تمتدُّ أيضًا إلى ذاتِ نفسِه.» روايةٌ يَختلطُ فيها الواقعُ بالخيال، تدورُ أحداثُها عن «شوقي»؛ الشابِّ المُثقَّفِ الذي يَسعى حثيثًا إلى تغييرِ واقعِه، غيرَ أنَّه يُعتقلُ فجأةً دونَ سابقِ إنذار، وفي المُعتقَلِ لم يُغيِّرْ كرباجُ الجلادِ معالمَ جسدِه فقط، بل غيَّرَ شخصيتَه وفِكرَه وثوابتَه؛ فخرجَ ليَكذبَ ويَسرقَ ويُنافقَ حتى استطاعَ العملَ طبيبًا في عُقرِ دارِهم، في المكتبِ الطِّبي للمُحافظة، وتدورُ الأيامُ ليأتيَ تحتَ يدِه أوَّلُ مُعذِّبيه، عباس الزنفلي «العسكري الأسود»، مريضًا طريحَ الفِراش، يَنهشُ المرضُ في لحمِه، وقد جارَ عليه رُؤساؤُه، بعدَ أن كان مِن أبرزِ أدواتِ النظامِ للبطشِ بالسِّياسيِّين، ومِن أيقوناتِ السُّجون، ومعروفًا بين المُعتقَلِين باستغلالِه لجسدِه الضخمِ في التلذُّذِ بتعذيبِ المساجينِ بكلِّ الوسائل. فهَل يتحوَّلُ الجلادُ إلى ضحيةِ سادتِه وطبيبِه، أم إنَّ للطبيبِ المُعذَّبِ رأيًا آخَر؟
يوسف إدريس: واحِدٌ مِن أَهَمِّ الكُتَّابِ والرِّوائيِّينَ الَّذِينَ أَنجَبتْهم مِصرُ والعالَمُ العَرَبي، وأكثرُ الرِّوائيِّينَ اقْتِرابًا مِنَ القَرْيةِ المِصْرية؛ لِذَا لُقِّبَ ﺑ «تشيخوف العرب»، نِسبَةً إِلى الأَدِيبِ الرُّوسِيِّ الكَبِيرِ «أنطون تشيخوف». وُلِدَ «يوسف إدريس علي» فِي قَرْيةِ «البيروم»، بمَركزِ فاقوس، بمُحافَظةِ الشَّرقيةِ فِي ١٩ مايو عامَ ١٩٢٧م. عاشَ طُفولتَهُ معَ جَدَّتِهِ بالقَرْية، وأَكْمَلَ دِراستَهُ بالقاهِرة، ونَظرًا لحُبِّهِ الجَمِّ للعُلوم، الْتَحَقَ بكُلِّيةِ الطبِّ بجامِعةِ فؤادٍ الأوَّل (جامِعة القاهِرة الآن)، الَّتي شَهِدتْ نِضالَهُ السِّياسِيَّ ضِدَّ الاحْتِلالِ البِريطانيِّ مِن خِلالِ عَملِهِ سِكرتيرًا تَنْفيذيًّا لِلَجْنةِ الدِّفاعِ عَنِ الطَّلَبة، ثُم سِكرتيرًا لِلَجْنةِ الطَّلَبة. وفِي عامِ ١٩٥١م حصَلَ عَلى دَرجةِ البَكالوريُوس فِي الطبِّ مُتخصِّصًا فِي الطبِّ النَّفسِي، وعُيِّنَ طَبِيبًا بمُسْتشفى قَصْرِ العَيْنِي، غَيرَ أنَّهُ اسْتَقالَ مِنها عامَ ١٩٦٠م وقرَّرَ التفرُّغَ للكِتابة، فعُيِّنَ مُحرِّرًا بجَرِيدةِ الجُمْهورِية، ثُم كاتِبًا بجَرِيدةِ الأَهْرامِ عامَ ١٩٧٣م. كما انْضَمَّ إلى عُضْويةِ عَددٍ مِنَ الهَيْئاتِ المَعْنيَّةِ بالكِتابة، مِثْل: نادِي القِصَّة، وجَمْعيةِ الأُدَباء، واتِّحادِ الكُتَّاب، ونادِي القَلَمِ الدَّوْلي. سافَرَ إدريس خارجَ مِصرَ زائرًا عِدَّةَ دُولٍ عَرَبيةٍ أكثرَ مِن مرَّة، كما زارَ بَينَ عامَيْ ١٩٥٣ و١٩٨٠م أَمريكا والعَدِيدَ مِنَ الدُّولِ الأُوروبيةِ والآسيوية، مِنها: فَرَنسا، وإِنْجلترا، واليَابَان، وتَايلاند، وسِنغافُورة، وجَنُوب شَرْق آسيا، وقَدْ ظهَرَ أثَرُ ذلِكَ فِي كِتاباتِه. مُنِحَ «وِسامَ الجَزائرِ» عامَ ١٩٦١م تَقْديرًا لدَوْرِه فِي دَعمِ اسْتِقلالِ الجَزائرِ ونِضالِهِ معَ الجَزائريِّينَ فِي مَعْركتِهم مِن أجْلِ الاسْتِقلال، وخِلالَ مَسِيرتِهِ الأَدبيَّةِ نالَ إدريسُ عِدَّةَ جَوائِز، مِنْها: «وِسامُ الجُمْهورية» مَرَّتينِ عامَيْ ١٩٦٣ و١٩٦٧م تَقْديرًا لخِدْماتِهِ فِي التَّألِيفِ القصَصيِّ والمَسْرحي، وفازَ ﺑ «جائِزةِ عبدِ الناصرِ فِي الآدابِ» عامَ ١٩٦٩م، و«وِسامِ العُلومِ والفُنونِ مِنَ الطَّبَقةِ الأُولى» عامَ ١٩٨٠م، و«جائِزةِ صدَّام حُسَين للآدابِ» عامَ ١٩٨٨م، و«جائِزةِ الدَّوْلةِ التَّقدِيريةِ» عامَ ١٩٩٠م. صنَعَ إدريسُ بما ألَّفَهُ مَدْرسةً مُختلِفةً وتَجرِبةً جَدِيدةً اتَّبَعَهُ فِيها الكَثِير، مُستخدِمًا بَراعتَهُ فِي اللُّغةِ ليَرسِمَ قِطاعاتٍ مُختلِفةً مِنَ المُجْتمعِ المِصْري. كانتْ تَجرِبتُهُ الأُولى فِي النَّشرِ القصَصيِّ فِي مَجَلةِ «القِصَّة» بنَشرِ قِصةِ «أُنْشودة الغُرَباءِ» فِي ٥ مارسَ عامَ ١٩٥٠م، وبعدَ أرْبعِ سَنواتٍ أصدَرَ أُولى مَجْموعاتِهِ القصَصيةِ «أَرْخص اللَّيالِي»، تَلَتْها مَجمُوعَاتٌ قَصَصِيةٌ أُخْرى، مِنها: «حَادِثةُ شَرَف»، وَ«النداهة»، وَ«اقتلها». ومِن مَسرَحِياتِهِ «المخططين»، وَ«الفرافير»، وَ«البهلوان». كمَا شارَكَ بالعَديدِ مِنَ المَقالاتِ الأَدَبيةِ والسِّياسِيةِ والفِكريةِ التي نَشرَها فِي مَجمُوعَات، مِنْها: «فقر الفكر وفكر الفقر»، وَ«أهمية أن نتثقف، يا ناس»، وَ«انطباعات مستفزة». ومِن خِلالِ كتابِهِ «جَبَرتي السِّتينات» سجَّلَ ما مَرَّ عَليهِ مِن أَحْداثٍ سِياسيةٍ وفِكْريةٍ خِلالَ فترةِ السِّتينِيَّات. تَحوَّلَ عَددٌ كَبيرٌ مِن أَعمَالِهِ إِلى أَفلَامٍ سِينمائِية، مِنْها: «الحرام»، وَ«لا وقت للحب»، وَ«العيب»، وَ«قاع المدينة». تُوفِّيَ الكاتِبُ الكَبِيرُ يَومَ ١ أغسطس عامَ ١٩٩١م؛ بعْدَ أنْ ترَكَ لَنا عالَمًا أَدَبيًّا خاصًّا بهِ رسَمَهُ لَنا مِن خِلالِ ما ألَّفَه.