«هنالك شهدتُ ملكة إنجلترا، وهي بحُسنها الفاتن جديرةٌ بأن تكون ملكة على العالَم بأسره؛ أيُّ رقَّةٍ تلك التي تشعُّ من عينها الزرقاء؟! وأيُّ بريقٍ ذلك الذي يتألَّق في فرعها الذهبي المتهدِّل؟! أقسمتُ بالرحمن ما أحسب الحوراء التي سوف تُقدِّم لي كأس الخلود اللؤلُئِي بأحقَّ من هذي بأحَرِّ العناق.» تُعَد الحرب الصليبية الثالثة واحدةً من أكثر الحروب إلهامًا للمؤرخين والأدباء على حدٍّ سواء؛ حيث حفَلت بالكثير من الأحداث التي جعلت منها مادةً غنية لخيال الأدباء. وفي هذه الرواية يُسلِّط «والتر سكوت» الضوءَ على مراحل مختلفة ومتباينة في نظرةِ الشرقي المسلم والغربي المسيحي كلٍّ منهما إلى الآخر؛ فكلٌّ منهما يُدافع عن بيت المَقدس الذي يحمل قداسةً لديه. وبينما يَستعدُّ الملك «ريتشارد قلب الأسد» للاستيلاء على بيت المَقدس، إذا بالمرض يشلُّ تفكيره ويُوهِن جسده حتى كاد يهلك، وفي هذه الأثناء يظهر القائد المسلم «صلاح الدين الأيوبي» ليُعالجه بالطلسم، الذي قدَّمه هديةً لأحد رجال «ريتشارد»، فصار بعد انتهاء الحرب مَقصدًا لشفاء المجانين ومَن يُعانون من النزيف، حتى أَوقفت الكنيسة العملَ به باعتباره سحرًا.
السير «والتر سكوت»: روائي وشاعر اسكتلندي، كان من كتاب الإنجليزية أصحاب الشعبية الكبيرة، حيث فاقت شهرته القارة الأوروبية، ويعد مؤسس الرواية التاريخية، وقد أخرج العديد من الروايات التي تُعَدُّ من عيون الأدب الكلاسيكي الإنجليزي، مثل: «إيفانهو» و«روب روي» وغيرهما من روايات شهيرة لا تزال تُقرَأ إلى الآن. وُلِدَ سكوت في اسكتلندا عام ١٧٧١م لأبوين من الطبقة النبيلة. تعلَّم سكوت القراءة على يد عمته «جيني»، وكانت تحكي له الكثير من القصص والأساطير التاريخية التي شكَّلت وعيه ونمت خياله لتَظهر آثارها واضحة بعد ذلك في أعماله الأدبية. درس سكوت ليصبح محاميًا كأبيه، كما أثارت دراسة الأدب الإنجليزي شغفه حيث درس الكلاسيكيات في الثانية عشرة ﺑ «جامعة إدنبره» وعندما بلغ الحادية والعشرين كان قد أتم دراسة القانون فعمل بالمحاماة دون أن يترك الأدب، فقرأ الكثير من الكُتُب بلغات متعدِّدة كالإسبانية والإيطالية والفرنسية والألمانية واللاتينية، ثم بدأ في نشر أعماله الشعرية عام ١٨٠٢م. ومع زيادة دخله المالي بدأ يتفرغ شيئًا فشيئًا للأدب فأخرج روايته التاريخية فائقة الشهرة «إيفانهو» عام ١٨٢٢م ليلقب بعدها بأبي الرواية الحديثة وليُمنح لقب سير. تمتع سكوت بذاكرة حادَّة واهتم بدراسة التاريخ خاصة مرحلة العصور الوسطى التي عُنيَ بها في رواياته. وكان من أوائل الكُتَّاب الذين أكدوا العلاقة بين الشخصيات والبيئة المحيطة بها. كما مزج في أعماله بين الواقعية واللون المحلي والرومانسية، وتركت أعماله أثرًا واضحًا في أدب القرن التاسع عشر. كانت نفقاته المالية الكبيرة سببًا في إفلاسه؛ مما اضطره لمضاعفه جهوده في التأليف والكتابة ليفي بديونه، ولكن المجهود المتواصل والمضني تسبب في إصابته بالمرض؛ فساءت صحته وتوفي عام ١٨٣٢م عن واحد وستين عامًا.