«تَعوَّدت ذات أن تحمل في حقيبة يدها منديلًا صغيرًا من القماش المُطرَّز الحواف، تُمسِكه في يدها عندما تعرق، أو ترتبك، وتمسح بطرفه ما قد يَتجمَّع في ركنَي عينَيها من إفرازات، أو يسيل حولهما من كحل في الأيام الحارة. وقد ظلَّت متمسِّكةً بهذه المناديل الصغيرة رغم انتشار بدائلها الورقية؛ إذ كانت عاجزةً عن تمثُّل نفسها في صورةٍ أخرى غير السيدة ذات المنديل القطني الصغير.»يَسرد «صنع الله إبراهيم» سيرةَ وطن، وسيرةَ ثورة، وسيرةَ جيلٍ كامل خرجت منه «ذات» التي تمثِّل النموذجَ السائد للمرأة المصرية؛ فيَتحدَّث عن فترة صِباها وزواجها من «عبد المجيد»، وعملها وإنجابها وأمومتها، متَّخذًا من سيرة حياتها مِرآةً كاشفة لرصدِ تفاصيل الحياة اليومية التي يَمُوج بها المجتمع المصري خلال عصرَي «السادات» و«مبارك»، كما يُسلِّط الضوءَ على التحوُّلاتِ السياسية والاقتصادية خلال هذه الفترة، وطريقةِ استقبال «ذات» و«عبد المجيد» لها، وأثرها على تشكيل حياتهما. كما لا تخلو الروايةُ من التوثيق التاريخي والأرشيف الصحفي الذي حرص عليه «صنع الله إبراهيم» في الكثير من رواياته، والذي يُمكِن من خلاله تَتبُّع التغيُّرات والتطوُّرات التي عاشها المجتمع المصري آنذاك؛ فجاءت السردية مليئةً بالكثير من الحقائق التاريخية التي بلا شك شكَّلَت شخصيةَ «ذات»، والمرأة المصرية، وجيل الخمسينيات بأكمله.
صنع الله إبراهيم: روائيٌّ مصري يساري، يُغرِّد خارج السِّرب، سُجن في عصر «جمال عبد الناصر»، وبالرغم من ذلك يُقدِّر التجرِبة الناصرية، رفض استلامَ جائزةٍ من الدولة المصرية، وسخَّر مشوارَه الأدبي في الحديث عن هموم الوطن. وُلد «صنع الله» في القاهرة عام ١٩٣٧م، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. درس الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل عام ١٩٥٩م ضمن الحملة التي شنَّها «جمال عبد الناصر» على اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن خمسَ سنوات حتى عام ١٩٦٤م. بعد خروجه من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام ١٩٦٧م، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام ١٩٦٨م، حتى عام ١٩٧١م، وبعدها اتَّجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام. ثم عاد إلى القاهرة عام ١٩٧٤م في عهد الرئيس «السادات»، وتَفرَّغ للكتابة الحُرة كليًّا عام ١٩٧٥م. تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. أُثِير حولَه الكثيرُ من الجدل بسبب رفضِه استلامَ «جائزة الرواية العربية» التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام ٢٠٠٣م. نال العديدَ من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» عام ٢٠٠٤م، و«جائزة كفافيس للأدب» عام ٢٠١٧م.