«براعةٌ في السرد مُعجِزة .. هل سمعتَ في السورة من أولها إلى أن بلغتَ هذه الآيات أن يوسف جميل .. أو على شيء من الوسامة؟ لم تَذكر السورة شيئًا. ولكن كيف قدَّمَت لك السورة هذه الحقيقة؟ قدَّمَتها صورةً مرئية متحركة أخَّاذة تحمل الدليل الذي لا يستطيع أيُّ كلامٍ أن يصفَه .. لقد قطَّعَت النسوةُ أيديَهن؛ فهن إذن في ذهول عن أنفسهن، وفي ذهول عما حولهن .. فالجَمال الذي أمامهن إذن جَمالٌ لا يحيط به وصف .. وهل هناك وصفٌ أروعُ من هذا أو أصدق؟»يَتجاوز «ثروت أباظة» في هذا الكتاب الخطابَ الوعظيَّ للقَصص القرآني للبحث في التقنيات الفنية له؛ وهي تقنياتٌ تميَّزت بها القصة القصيرة الحديثة التي تُعَد فنًّا غربيَّ المنشأ، مثل: الهيكل الفني للقصة، وعامل التشويق، والاختصار، والتبسيط، والتداعي الحر للأفكار، والرمز، والاختيار المناسب للكلمات التي تؤدِّي المعنى على وجه الدقة. لكننا نكتشف أن القرآن اشتمل في قصصه على هذه التقنيات منذ ما يَزيد على أربعةَ عشرَ قرنًا؛ فنجد على سبيل المثال توافُر بِنية الهيكل الفني في قصة «يوسف»، من تمهيدٍ ونكرات مسرحية ومقدِّمات ونتائج، كما يتوافر عاملُ الجذب والتشويق والتداعي الحر للأفكار في قصة «إبراهيم»، فضلًا عن اشتمال قصة «موسى» على العديد من ألوان فن الرواية مثل: الرمز، والتعبير عن فترة زمنية معيَّنة، والتركيز على دور الفرد والجماعة. وإلى جانب هذه القصص الثلاث يقدِّم لنا «أباظة» العديدَ من القصص القرآنية الأخرى، موضِّحًا التيمات الفنية الأساسية التي تميَّزت بها.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.