نُطالِع في هذه الرواية الرائدة إرهاصات الأدب الواقعي المصري؛ حيث ينتصر المؤلِّف للطبقات المُهمَّشة والفقيرة، ويُناقِش مشاكلها قبل ثورة يوليو؛ فأوضاعُ عامة الشعب بلَغ منها السوءُ مَبلغَه، حيث تئنُّ تحت وضعٍ اقتصادي في غاية التدهور، ولا تجد فُرصًا عادلة لتحسين أوضاعها، فكأنَّ الشقاء مُلازم لها. كان والد «سيد» قد تُوفِّي وتركه تلميذًا يافعًا بالمدرسة، فتخبَّط لأعوامٍ بلا هدًى، ولكن بالرغم من صعوبة الظروف، لم يَفقِد الأملَ قط، وسرعان ما أفاق وكافَح ليجد لنفسِه مكانًا تحت الشمس، فلم يأنف أن يُمارس عملًا شاقًّا مُرهِقًا مقابلَ قروشٍ قليلة، ولكنه للأسف تعلَّق بشابةٍ جميلة ثَرِية في علاقةِ حبٍّ مستحيلة لا يُمكِن أن تنتهي بالزواج. أحداثٌ أكثر سنَعرفها بمُطالَعتنا هذه الروايةَ التي كتبها الأديب الفذُّ «محمد فريد أبو حديد».
محمد فريد أبو حديد: قاصٌّ وكاتب مصري كبير، له الكثير من المؤلَّفات التي أَثْرت المكتبة العربية، وكان أغلبها من الروايات التاريخية، وهو من رواد أدب الأطفال والشعر المرسل. وُلد «محمد فريد أبو حديد» بمصر عام ١٨٩٣م لأبٍ مصري، وأمٍّ مصرية. كانت بداية طفولته في «دمنهور»؛ حيث انتظم في السلك التعليمي هناك إلى أن حصل على الشهادة الابتدائية، وحصل على شهادة البكالوريا عام ١٩١٠م، ثم التحق بالقسم الأدبي بمدرسة المعلمين وتخرَّج فيها عام ١٩١٤م، ثم حصل على الإجازة في الحقوق من مدرسة الحقوق المَلكية عام ١٩٢٤م. تدرَّج فور تخرُّجه في وظائف وزارة المعارف؛ حيث عُين مدرسًا بالتعليم الحر، ثم استقال وعمل مدرسًا بالمدارس الثانوية التابعة لوزارة الأوقاف، وانتقل عام ١٩٣٠م للعمل بقسم المراقبة على الصحف بوزارة الداخلية، وأصبح بعد ذلك سكرتيرًا عامًّا لجامعة الإسكندرية عام ١٩٤٢م، وسرعان ما عاد إلى القاهرة ليشغل منصب وكيل دار الكتب المصرية، ثم عميد معهد التربية التابع لوزارة المعارف، وفي الوقت نفسه اختير عضوًا بمَجمع اللغة العربية بالقاهرة عام ١٩٤٦م، وشغل أيضًا منصب المدير العام لكلٍّ من إدارة الثقافة، والتعليم الثانوي، والجامعة الشعبية، وإدارة مكافحة الأمية (عام ١٩٥٠م)، ومعاهد المعلمين؛ ثم عُين مساعدًا لوزير المعارف، ومع بلوغه سن التقاعد قرَّرت وزارة المعارف تعيينه مستشارًا فنيًّا لها. له مؤلَّفات عديدة تربو على الثلاثين، تميزت كتاباته الروائية منها بتناولها التاريخ، مثل: «ابنة المملوك»، و«الملك الضليل»، و«أبو الفوارس عنترة بن شداد»، و«آلام جحا». وله في فن السيرة: «سيرة السيد عمر مكرم»، و«صلاح الدين الأيوبي وعصره». وله أيضًا روايتان تناولتا الحياة المصرية المعاصرة، هما: «أنا الشعب»، و«أزهار الشوك»، ومسرحيات «عبد الشيطان»، و«خسرو وشيرين» التي صاغها في شعر مرسل و«مقتل سيدنا عثمان». أما في مجال الترجمة فله «سهراب ورستم»، وهي مَلحمة للكاتب الإنجليزي «ماثيو أرنولد» قام بترجمتها في قالب مسرحي، و«الفتح العربي لمصر» من تأليف «ألفرد بتلر»، و«ماكبث» من تأليف «شكسبير». حصل على العديد من الجوائز والأوسمة، منها: جائزة فؤاد الأول للآداب (عام ١٩٥٢م)، ووسام الاستحقاق من الطبقة الثانية (مرتين)، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب (عام ١٩٦٤م). تُوفِّي «أبو حديد» في ١٨ مايو عام ١٩٦٧م، مخلِّفًا وراءه إرثًا ثقافيًّا وأدبيًّا كبيرًا؛ تتوارثه الأجيال لتفيد منه وتبني عليه.