«وعندي أن أقوى البلدان إبهارًا وغنًى وإقناعًا، تلك التي تُعطيك ما لم تتخيَّله، وتُطلِعك من مَشاهِدها الأولى — عمرانًا، وطبيعةً، وبَشرًا، وطبعًا — على ما لم تتوقَّعه، ولَعَمري إن الأرجنتين مفردُها وهي واسطةُ عِقد.»في هذه الصفحات القليلة يُشارِكنا «أحمد المديني» تفاصيلَ رحلته السياحية المشوِّقة إلى الأرجنتين وتشيلي، فيُسجِّل لنا بأسلوبٍ أدبي رشيق مُشاهَداته وملاحَظاته وانطباعاته الشخصية أثناءَ رحلتِه القصيرة، التي استغرقَت شهرًا واحدًا في ربُوع هاتَين الدولتَين، من شمالهما إلى جنوبهما؛ فيُحدِّثنا بأسلوبٍ ممتع عن طبيعتهما الخلَّابة، وجغرافيتهما الساحرة، وشوارعهما، وأماكنهما، ومَظاهر سكَّانهما وهيئتهم وسلوكياتهم، فحاوَل أن يكشف لنا كلَّ ما لمحَته عيناه من مَظاهر الجَمال أثناء تجوُّله في هاتَين الدولتَين الساحرتَين، وعُنِي بأن يَتعرَّف على ثقافة تلك الشعوب ونمط حياتهم، والإحاطة بها على قدرِ الإمكان وتدوينها، كما يُحدِّثنا عن بعض الشخصيات التي التقى بها أثناء رحلته.
أحمد المديني: أديب وناقد مغربي، له إسهاماتٌ أدبية غزيرة ومتنوِّعة، وله حضورٌ لافت في الحياة الثقافية المغربية، وحاز على جائزة المغرب الكبرى للكتاب مرتَين، إلى جانب جوائزَ أخرى. وُلد عام ١٩٤٩م بمدينة برشيد. بدأ مسيرتَه الأكاديمية الأدبية بحصوله على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة فاس عام ١٩٨٧م، ثم حصَل على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بباريس عام ١٩٩٠م، ويعمل منذ ذلك الحين أستاذًا في مجال التعليم العالي. كرَّس حياتَه للتدريس والكتابة، وبدأ النشر عام ١٩٦٧م في جريدة العلم، وكتب في عِدة صُحف ومجلات أخرى، منها: «المحرر»، و«النهار» و«السفير» اللبنانيتان، والجمهورية العِراقية، والتحق باتِّحاد كتَّاب المغرب عام ١٩٧٢م. ويرى المديني أن الموهبة وحْدَها لا تكفي لصناعةِ نصوصٍ ثَرية أدبيًّا وإنسانيًّا ومُنسجِمة مع إيقاع العصر. وعلى الرغم من اعتنائه بالتجديد والتحديث، فإن له رأيًا حازمًا في أعمال «الروائيِّين الجُدد» وما قد يجنَح له بعض شباب الكتَّاب من استسهال. مثَّلت المجموعة القصصية «العُنف في الدماغ»، التي نشَرها عام ١٩٧١م، باكورةَ إنتاجه الأدبي، وتَبعها الكثيرُ والكثير من القصص والروايات، ومنها: «الطريق إلى المنافي» و«حكاية وَهْم»، و«رجال الدار البيضاء»، وصدرت أعمالُه الروائية الكاملة عن وزارة الثقافة المغربية عام ٢٠١٤م في خمسة أجزاء. ولشَغَفه بالتَّرحال، كانت له مؤلَّفات في أدب الرحلات، منها: «باريس أبدًا»، و«أيام برازيلية وأخرى من يباب». وله أيضًا إنتاجٌ شعري منشور في ثلاثة دواوين، ونُشِر له العديد من الدراسات الأدبية والنقدية، ومنها: «النحلة العاملة»، و«أسئلة الإبداع في الأدب العربي المعاصر» و«تحت شمس النص». لاقَت أعماله الاحتفاءَ والتقدير، وحصل على جائزةِ المغرب الكبرى للكتاب، فرع النقد والدراسات الأدبية عام ٢٠٠٣م، ثم الجائزةِ نفسِها فرع السرديات عام ٢٠٠٩م، وكذلك جائزة محمد زفزاف للرواية العربية عام ٢٠١٨م، ووصلت روايتُه «ممر الصفصاف» إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية، وروايته «نصيبي من باريس» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، فضلًا عن نيله جائزةَ ابن بطوطة لأدب الرحلة عام ٢٠٢٠م عن كتابه «مغربي في فلسطين».