«وهذا الكتاب مجرَّد قطرة في بحر الخطايا والجرائم التي ارتكَبها اليمين المصري ضدَّ الثقافة والمثقفين … فالملف الكامل ما زال ممنوعًا من الفتح؛ لأن الذين يملكونه ليسوا طرفًا واحدًا، ولا يملك الفرد منَّا أكثرَ من بضعة أسطر أو قليل من الصفحات.»كان الدكتور «غالي شكري» قريبًا من الدوائر الثقافية في مصر خلال ستينيات القرن العشرين وسبعينياته؛ وهو ما أتاح له فرصةَ الاطِّلاع على كواليس كثيرة ظلَّت طيَّ الكتمان، لكنه أفصح عن بعضها في هذا الكتاب ذاكرًا العديد من أسماء الشخصيات التي لمَعَت في سماء الأدب والصحافة في مصر آنذاك، ساردًا الكثير من مواقفها غير المُعلَنة، خاصةً بعد زوال الحِقبة الناصرية. ويُعَد موقف المثقفين تجاه دولة إسرائيل من أبرز القضايا التي أثارها المؤلِّف، كاشفًا عن العديد من الشخصيات التي قبلت ضمنيًّا الاعترافَ بإسرائيل والسلام معها، وهو ما ظهَر جليًّا عقِب حرب أكتوبر ١٩٧٣م. كما تناوَل المؤلِّف قضية اليسار المصري ومحاوَلات الإقصاء التي تعرَّض لها، والضربة القوية التي أصابته في عهد «السادات» الذي استخدَم اليمينَ الديني للقضاء عليه.
غالي شكري: مفكِّر وناقد أدبي بارز، وأحد روَّاد الفكر الاشتراكي في الستينيات، اعتُقِل في زمن «عبد الناصر»، ونال درجةَ الدكتوراه من جامعة السوربون تحتَ إشراف المستشرِق الفرنسي الشهير «جاك بيرك». وُلِد الدكتور «غالي شكري» بمحافظة المنوفية لعائلةٍ قبطية تَرجع أصولها إلى صعيد مصر، والتحق بمدرسةٍ إنجليزية تابعة للإرساليَّات التبشيرية. حفظ القرآنَ الكريم في سِن الطفولة وتمكَّنَ من تجويده، وأتقَن اللغةَ العربية والثقافة الإسلامية بصورةٍ فريدة، حتى إنه كان يُلقي خُطَب المولد النبوي والمناسَبات الدينية الإسلامية. التَحق بمدرسة الزراعة، ثم عمل مدرسًا بإحدى مدارس القاهرة، وبدأ في ترجمةِ القصص ونشرها في مجلة «قصة». تشكَّلَ فِكره بعد انتقاله إلى القاهرة لاستكمال دراسته، فتبنَّى الفِكر اليساري وصار عضوًا في الحركة اليسارية المصرية، واعتُقِل عام ١٩٦٠م، ثم طُرِد من الجامعة في عهد «السادات» فسافَر إلى لبنان؛ حيث مكَث بها ثلاثَ سنواتٍ ونصف سنة إلى أن بدأت الحربُ الأهلية اللبنانية، فسافَر إلى باريس حيث أقام فيها ١٢ عامًا استغلَّها في دراسة الدكتوراه عن موضوع «النهضة والسقوط في الفِكر المصري الحديث»، كما سافَر إلى تونس حيث عمل بإحدى جامعاتها، ثم عاد إلى القاهرة وتولَّى رئاسةَ تحرير مجلة «القاهرة». للدكتور «غالي شكري» الكثير من المؤلَّفات الفِكرية والنقدية، من بينها: «سلامة موسى وأزمة الضمير العربي»، و«أزمة الجنس في القصة العربية»، و«المنتمي: دراسة في أدب نجيب محفوظ»، و«ثورة المعتزل: دراسة في أدب توفيق الحكيم»، وغيرها من الأعمال المتميِّزة التي أثرى بها المكتبةَ العربية. كما نال العديدَ من الجوائز، لعل أبرزَها جائزةُ الدولة التقديرية في الآداب عام ١٩٩٦م. رحَل الدكتور « غالي شكري» عن دُنيانا عام ١٩٩٨م عن عمرٍ يناهز ٦٣ عامًا بعد حياةٍ حافلة بالإبداع والنِّضال.