«ولكن فَلْنقُل إن القضية ليست قضيةَ إنصافٍ بل قضيةُ دِقة؛ إن ممثل الولايات المتحدة في المنطقة يُسدي المَشُورةَ إلى واشنطن، فما الذي تُراه يستند إليه؟ حَفْنة من القوالب اللفظية المأثورة عن المستشرقين، والتي كان يُمكِن أن تكون تَكرارًا حرفيًّا لما قاله السير ألفريد ليال في وصف العقل الشرقي، أو من حديث اللورد کرومر عن تعامُله مع أبناء البلد في مصر.»يُقصَد بتغطية الإسلام المنهجُ الذي تتَّبِعه الوكالاتُ الإخبارية والإعلامُ الغربي عامةً مع قضايا العالَم الإسلامي؛ إذ يرى «إدوارد سعيد» أن هذه التغطية تفتقر إلى الصحة؛ فهي لا تستقي أخبارَها من قلب الحدث، ولا تجتهد في التعرُّفِ على شعوب العالَم الإسلامي عن قُرب، أو معرفةِ لُغتهم التي تساعدها في معرفتهم معرفةً صحيحة، بل تعتمد في تقاريرها الإخبارية على أحكامٍ جاهزة من كتابات المستشرِقين، وعلى الصورة النمطية التي رسَمها الغربُ للشرق والعالَم الإسلامي. ومن ثَم قام «سعيد» بتحليل هذه الصورة وأبعادها، وتأثيرها على العلاقة بين الشرق والغرب، ونظرة الشعوب الغربية إلى الإسلام، مع إعطاءِ أمثلةٍ عليها، مثل التناول الإعلامي الغربي لأزمة الرهائن الأمريكية؛ حيث أُرسِل ٣٠٠ صحفيٍّ أمريكي إلى إيران لتغطية الأزمة، دونَ معرفتهم باللغة الفارسية، ومن ثَم جاءت التقارير مُنافيةً تمامًا للحقيقة.
إدوارد سعيد: مُفكِّر وناقد أدبي فلسطيني أمريكي، وهو واحدٌ من أهم عشرة مُفكِّرين في القرن العشرين ومن أكثرهم تأثيرًا، لُقِّب بالصوت الأقوى في الدفاع عن القضية الفلسطينية. وُلد في ١ نوفمبر ١٩٣٥م، بفلسطين لأبوَين بروتستانيَّين، وكان والده يخدم في الجيش الأمريكي، فمُنِحوا على إثر ذلك الجنسيةَ الأمريكية. درس في مدرسة القديس «جورج» الأنجليكانية بالقدس، وكلية «فيكتوريا» بمصر، و«نوثفيلد ماونت هيرمون» بالولايات المتحدة، ثم التَحق بجامعة «برينستون» وحصل على شهادة البكالوريوس في الفنون عام ١٩٥٧م، وماجستير الفنون عام ١٩٦٠م، وفي عام ١٩٦٤م حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة في الأدب الإنجليزي من جامعة «هارفارد». عمل أستاذًا ومحاضرًا للأدب المقارن في العديد من الجامعات الأمريكية مثل جامعة «هارفارد»، وجامعة «كولومبيا»، كما أصبح عضوًا في مركز الدراسات المتقدِّمة للعلوم السلوكية في جامعة «ستانفورد» للعام ١٩٧٥-١٩٧٦م، ورئيسًا لجمعية اللغات الحديثة، وعضوًا في مجلس العلاقات الخارجية، والرابطة الفلسفية الأمريكية. أسَّس »سعيد« في كتاباته للعديد من النظريات الأدبية، ودراسات ما بعد الكولونية، والعلاقة بين الشرق والغرب، التي كان لها تأثيرٌ كبير في الأوساط الأكاديمية والثقافية في الولايات المتحدة وفي العالَم أجمع، ومن أبرز كتبه: «الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق» الذي قدَّم فيه أفكارَه عن دراسات الاستشراق الغربية المختصَّة بدراسةِ الشرق والشرقيِّين، و«تغطية الإسلام»، و«خارج المكان» (سيرة ذاتية)، و«الثقافة والإمبريالية»، و«من أوسلو إلى العراق وخريطة الطريق»، وغير ذلك من الدراسات الأكاديمية التي لا تزال محلَّ اهتمامِ الباحثين والمثقَّفين في جميع أنحاء العالم. عُرف «إدوارد سعيد» بدفاعه المستمر عن القضية الفلسطينية؛ فكان عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني في الفترة من ١٩٧٧م حتى ١٩٩١م عندما استقال احتجاجًا على اتفاقية أوسلو، وكان من أوائل المؤيِّدين لحل الدولتَين، فصوَّت عام ١٩٨٨م لصالح إقامة دولة فلسطين، وقد تَناوَل في كتاباته الصراعَ العربي الفلسطيني مثل: «القضية الفلسطينية» ١٩٧٩م، و«سياسة التجريد» ١٩٩٤م، و«نهاية عملية السلام» ٢٠٠٠م، بالإضافة إلى كتابَين يتناولان اتفاقيةَ أوسلو، هما: «غزة أريحا: سلام أمريكي» ١٩٥٥م، و«أوسلو: سلام بلا أرض» ١٩٥٥م، فضلًا عن تسجيله فيلمًا وثائقيًّا لتليفزيون البي بي سي بعنوان «البحث عن فلسطين». كما عُرِف عنه شغَفُه بالموسيقى ومهارتُه في عزف البيانو ببراعة، وكتابةُ العديد من المقالات والكتب حولَها، مثل: «مُتتاليات موسيقية»، و«المُتشابِهات والمُتناقِضات: استكشافات في الموسيقى والمجتمع»، و«النموذج الأخير: الموسيقى والأدب ضد التيار». تُوفِّي «إدوارد سعيد» صباح يوم ٢٥ سبتمبر ٢٠٠٣م، بعد صراعٍ طويل مع مرض اللوكيميا استمر لمدة اثني عشر عامًا، تاركًا خلفه حياةً حافلة بالإبداع والفكر، كرَّسها لوطنه الأول فلسطين، وأكَّد على انتمائه العربي بالرغم من الغربة التي عانى منها طويلًا. وقد كان لوفاته صدًى واسعٌ في الأوساط الأكاديمية العالمية، فرثاه الكثير من مُثقَّفي العالَم ومُفكِّريه، كما أسَّست جامعة كولومبيا كرسيَّ «إدوارد سعيد» للدراسات العربية في قسم التاريخ، وأعادت جامعة بيرزيت تسميةَ مدرستها الموسيقية باسم «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى» تكريمًا له.