«إنها ليست قصة، بل إنها صفعةٌ أو صرخة أو آهة مُنبِّهة قوية تكاد تُثير الهلع. لم يعُد لدى الفنان وقتٌ ليُنمق ويَصوغ الأحاسيس ببراعةٍ تستدرُّ الإعجاب. إنه هنا يريد أن يستدرَّ انفعالاتٍ أقوى من الإعجاب به ككاتب، أو الإعجاب بقصَّته كموضوع. إن البطل هنا ليس الرجل، وليس الشاب، وليست الأحداث أو العصر. البطل هنا هو إحساسٌ عامٌّ طاغٍ لا اسم له — إلى الآن على الأقل.»لم يكن سهلًا تجاوُز تجربة الاعتقال؛ تلك التجربة التي تُخلِّف في داخل الإنسان الخوف، والألم، والانهزام الداخلي، والشعور الدائم بالاشمئزاز. وهذا ما نجح فيه «صنع الله إبراهيم» في هذا العمل الذي يجمع بجانب روايته القصيرة «تلك الرائحة» قصصًا قصيرةً أخرى كتبَها في فتراتٍ مُتفرقة بعد خروجه من المعتقل، واستطاع أن يُعبِّر فيها عن ضبابية المرحلة، وحالة التشتُّت والتمزُّق التي يعيشها إنسانٌ مأزوم عليه، كانت كل جريمته أنه أفصَح عن رأيه في بلدٍ ظن أنه يمكن أن ينعَم فيه بالحرية، ولكنَّ الثمن كان قاسيًا، ولم يكن سهلًا التعافي من هذا الألم؛ فكانت الكتابة عن هذه الفترة هي شهادتَه عن جيلٍ كامل من ناحية، وثورةً في وجه المرحلة من ناحيةٍ أخرى، ووسيلةً للتعافي من هذه التجربة من ناحيةٍ ثالثة.
صنع الله إبراهيم: روائيٌّ مصري يساري، يُغرِّد خارج السِّرب، سُجن في عصر «جمال عبد الناصر»، وبالرغم من ذلك يُقدِّر التجرِبة الناصرية، رفض استلامَ جائزةٍ من الدولة المصرية، وسخَّر مشوارَه الأدبي في الحديث عن هموم الوطن. وُلد «صنع الله» في القاهرة عام ١٩٣٧م، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. درس الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل عام ١٩٥٩م ضمن الحملة التي شنَّها «جمال عبد الناصر» على اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن خمسَ سنوات حتى عام ١٩٦٤م. بعد خروجه من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام ١٩٦٧م، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام ١٩٦٨م، حتى عام ١٩٧١م، وبعدها اتَّجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام. ثم عاد إلى القاهرة عام ١٩٧٤م في عهد الرئيس «السادات»، وتَفرَّغ للكتابة الحُرة كليًّا عام ١٩٧٥م. تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. أُثِير حولَه الكثيرُ من الجدل بسبب رفضِه استلامَ «جائزة الرواية العربية» التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام ٢٠٠٣م. نال العديدَ من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» عام ٢٠٠٤م، و«جائزة كفافيس للأدب» عام ٢٠١٧م.