تَتميَّزُ الفلسفاتُ السياسيةُ بديناميكيتِها وقُدرتِها على مُواكَبةِ الواقعِ الاجتماعيِّ للشُّعوب، وهيَ تَتمايَزُ فتُعبِّرُ كلٌّ منها عن اتجاهٍ ما تبعًا لمُقتَضَياتِ الحال. ويُمكِنُ تقسيمُ المذاهبِ السياسيةِ إلى اتجاهَينِ عامَّين؛ أَحدُهما «الاتجاهُ اليَميني»، ويُمثِّلُه على المُستوى الفكريِّ الاتجاهُ الليبرالي، وتدعمُه الرأسماليَّةُ اقتصاديًّا؛ وكردِّ فعلٍ على سيطرةِ اليمينِ نشَأَ الاتجاهُ الآخَرُ «الاتجاهُ اليساري»، مُتمثِّلًا في الأنظمةِ الاشتراكيةِ فكريًّا واقتصاديًّا. وقد نتَجَ عن ذلكَ توازُنٌ لمْ يختلَّ إلا معَ انهيارِ المُعسكَرِ الاشتراكيِّ بسقوطِ الاتحادِ السوفييتيِّ نهايةَ ثمانينياتِ القرنِ العِشرين، لتبدأَ بعدَها البشائرُ بسيادةِ نظامٍ عالَميٍّ جديدٍ تُوِّجَتْ فيهِ الولاياتُ المتَّحدةُ قُطبًا أوحدَ للعالَم، ولكنَّ هذهِ السيادةَ لمْ تَدُمْ طويلًا، لا سيَّما معَ بُزوغِ قُوًى جديدةٍ على الساحةِ الاقتصاديةِ بصِفةٍ خاصَّة، مُتمثِّلةً في العملاقَينِ اليابانِ والصِّين، ثمَّ النمورِ الآسيويَّةِ بعدَهما؛ ممَّا أدَّى إلى انهيارِ قِيَمِ المركزيةِ الغَربيةِ ونَقدِها بقِيَمٍ جَديدة.
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث، والرئيس الأسبق لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة. ساهمت في إثراء الحركة الفكرية العربية بجهدها المتميز لنشر الثقافة العلمية ومنطق التفكير العلمي، وتفعيلِهما وتوطينهما في حضارتنا، من خلال كُتبها التي تتجاوز خمسة وعشرين كتابًا تأليفًا وترجمة، وأبحاثِها بالعربية والإنجليزية في دوريات علمية مُحكَّمة، محلية وإقليمية ودولية، فضلًا عن عشرات المقالات والدراسات، والمحاضرات التي ألقتها في جامعاتٍ ومراكز أبحاث شتى، من أقصى الشرق في كيوتو إلى أقصى الغرب في هاواي، وصولًا إلى قلب أفريقيا، ومرورًا بغالبية الدول العربية. مثَّلت مصر وشاركت بأبحاثها في العديد من المؤتمرات الدولية في القاهرة والكويت وسوريا ولبنان والأردن وتونس والجزائر والسعودية والمملكة المغربية واليابان وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية. عملت زميلًا زائرًا بمركز الأبحاث الدولي للدراسات اليابانية في كيوتو، وبصفتها أستاذًا للدراسات العليا ساهمت في إنشاء قسم الفلسفة بجامعة أحمدو بيلو في نيجيريا؛ ثاني أكبر جامعة في أفريقيا بعد جامعة القاهرة، وقد بدأت الدراسة فيه عام ٢٠١٤م. زارت جامعات آيوا وهيوستن وهاواي بالولايات المتحدة الأمريكية، ودمشق والعين بالإمارات العربية. وُلدت «يمنى طريف أمين الخولي» في آخر أغسطس عام ١٩٥٥م، لأسرة مهتمة بالعلم والثقافة. قضت شطرًا من حياتها الباكرة في إنجلترا، وحصلت على زادها الأول من مكتبة والدها الذي علَّمها «كيف تقتنص رحيق الحياة وآفاق الثراء الباذخ من صفحات الكتب»، حسبما تذكر في مقدمة كتابها «أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد»؛ حيث تناولت معالم فكر جدها الذي يقف بمنهجيته العقلانية في صفوف الإسلاميين الإصلاحيين والرعيل الأول من كبار أساتذة جامعة فؤاد الأول. كانت «يمنى الخولي» دائمًا من الأوائل، واختارت دراسة الفلسفة عن يقين. حصلت على الليسانس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة عام ١٩٧٧م، وعُيِّنت معيدة بقسم الفلسفة. وفي عام ١٩٨١م نالت درجة الماجستير عن رسالتها «فلسفة العلوم الطبيعية عند كارل بوبر»، وكانت أول دراسة عربية لهذا الفيلسوف الذي يُعَد من أهم فلاسفة القرن العشرين وفيلسوف المنهج العلمي الأول. وفي عام ١٩٨٥م حصلت على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عن موضوع «مبدأ اللاحتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية»، وتدرَّجت في المناصب الأكاديمية حتى أصبحت أستاذًا في يونيو ١٩٩٩م، ثم رئيسًا لقسم الفلسفة (من فبراير ٢٠٠٦م حتى فبراير ٢٠٠٩م). أشرفت على أربعٍ وعشرين رسالة ماجستير ودكتوراه، وأجازت رسائل بجامعات مصرية وعربية. هذا بجانب عضوية لجان وجمعيات علمية عديدة، منها: لجنة ترقية أساتذة الفلسفة بمصر، ولجنة تاريخ وفلسفة العلوم بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، والجمعية المصرية لتاريخ العلوم، ولجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، ولجنة علمية بمكتبة الإسكندرية؛ فضلًا عن عضوية مجلس إدارة الجمعية الفلسفية المصرية، وهيئات تحرير مجلات علمية. وقدَّمت استشارات لتطوير اللوائح وتوصيف المقررات وطرق تحكيم الأبحاث في جامعات مصرية وعربية ومؤسسات ثقافية على المستوى العربي. وقد صدر العديد من الدراسات والمقالات التي تعرَّضت لإنتاجها الفكري في أنحاءٍ شتى من الوطن العربي، ورسالة ماجستير بعنوان «فلسفة العلوم عند يمنى طريف الخولي» بجامعة قسنطينة بالجزائر، وجارٍ إعدادُ سواها في جامعات أخرى. وتقديرًا لعطائها الفكري نالَتْ أربع عشرة جائزةً علمية؛ منها جائزةُ مؤسسة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان (١٩٩٠)، وجائزةُ باشراحيل للإبداع الثقافي في الدراسات المستقبلية (٢٠٠٤)، وجائزةُ الدولة للتفوُّق في العلوم الاجتماعية (٢٠١١)، وجائزةُ جامعة القاهرة التقديرية (٢٠١٦)، كما اختارَتْها الكويت شخصيةَ مهرجانِ القرين الثقافي الثامن عشر عامَ ٢٠١٢؛ فكانت ثاني وآخِر سيدةٍ تحصل على هذا التكريم الرفيع، بعد حَرَم رئيس الجمهورية الأسبق سوزان مبارك. ووضع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت الشقيقة في هذا المهرجان كُتيِّبًا للتعريف بالدكتورة يُمنى جاء فيه: «تشعَّبت إسهاماتها في مجالات العلوم الإنسانية إلى حدٍّ يَصعب حصْرُه في محورٍ محدَّد، أو مجالاتٍ دون غيرها؛ ولهذا يستحيل إنصافُها أو تقديرُها حقَّ قدْرِها، مهما كُتِب عنها هنا وهناك؛ فهي حركةٌ علمية وفكرية دائبة، تَنشرُ وهجَها في كل مكان. إنها إحدى قامات الفكر والفلسفة في المنطقة العربية.»