«حين يأتي على الناس زمانٌ يصبح الحديثُ فيه صراحةً أو همسًا، يَنزوي الإنسان في داخل الإنسان، وتسقط القِيَم، وتنهدم الكرامة، وتصبح الحياة صورةً ممسوخة مُشوَّهة غيرَ خليقةٍ بأن تُعاش، ولا خليقةٍ بأن تَدوم.»بهذه العبارة صدَّر الروائي والأديب الكبير «ثروت أباظة» هذا الكتاب الذي يجمع أكثر من خمسين مقالًا كتبَها في عامَي ١٩٧٥م و١٩٧٦م عندما كان رئيسًا لتحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون»، ثم رئيسًا للقسم الأدبي بصحيفة «الأهرام»، وهي خواطرُ تدور حول مواضيعَ شتَّى عن السياسة، والثقافة، والاجتماع، وأحوال النفس، والنقد الأدبي، والتاريخ، وعن تأملاته في الطبيعة والحياة وسُنن الكون، لكنَّ خيطَها الناظم هو مَقْت الاستبداد وعِشق الحرية والوطنية؛ إذ يَتنقَّل «ثروت أباظة» بلُغته الرائقة الجميلة بين دفاعه عن مصر بعد حرب أكتوبر وعن كَسرِ سجون الاستبداد الناصري، وبين هجومه على تقصير الوزراء والمصالح الحكومية، ويُحيي ذكرى «طه حسين» و«أحمد شوقي»، وينتقد عزوفَ الأدباء عن تراث الأدب العربي كأدب «الجاحظ» و«ابن المقفَّع» وغيرهما، ويُتحِف قرَّاءه بقصص قصيرة من إبداعاته.
ثروت أباظة: روائيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ مرموق، عُرِفَ بحِسِّه الوَطَني، ويَنتسبُ إلى عائلةٍ مصريةٍ عريقةٍ هي عائلةُ أباظة، وهو ابنُ السياسيِّ المصريِّ إبراهيم دسوقي أباظة. وُلِدَ «محمد ثروت إبراهيم دسوقي أباظة» بالقاهرةِ عامَ ١٩٢٧م. حصلَ على ليسانس الحقوقِ من جامعةِ فؤادٍ الأولِ عامَ ١٩٥٠م. كانتْ بدايةُ حُبِّه للقِراءةِ عندما أهداهُ والِدُه مجموعةً من مُؤلَّفاتِ الكاتبِ المصريِّ «كامل كيلاني»، ثُمَّ قرَأَ تِباعًا أعمالَ طه حُسَين، وتَوْفيق الحَكِيم، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد شَوْقي. تعدَّدَ إنتاجُ ثروت أباظة الأدبيُّ وتنوَّعَ ليشملَ الروايةَ والقصةَ القصيرةَ والمَسْرحيَّة، إضافةً إلى ترجمتِه أكثرَ من عملٍ، وكتابةِ عدةِ بحوثٍ أدبيَّة. ارتبطَ بعَلاقاتٍ وثيقةٍ مع كُتَّابِ وأدباءِ مصرَ الكِبار؛ فقدْ قدَّمَ له عميدُ الأدبِ العربيِّ طه حُسَين روايته «هارِب من الأيام»، وأَثْنى عليهِ نجيب محفوظ حينَ قالَ عنه: إنَّ دورَهُ في الروايةِ الطويلةِ يحتاجُ إلى بحثٍ مُطوَّلٍ بعيدًا عَنِ المَذاهبِ السياسيَّة، وقالَ توفيق الحكيم له ذاتَ مرةٍ: أنا مُعجَبٌ برِواياتِكَ في الإذاعة، لدرجةِ أنَّني حينَ أقرأُ في البَرْنامجِ أنَّ لكَ رِوايةً أمكثُ في البيتِ ولا أخرُج. أثارتْ رِوايتُه «شيء من الخوف» جدَلًا واسعًا لقولِ بعضِ المقرَّبِينَ مِنَ الرئيسِ المِصريِّ الراحلِ جمال عبد الناصر إنَّها تَحملُ رمزيةً لفترةِ حُكمِه. تَقلَّدَ ثروت أباظة عدَّةَ مَناصبَ رسميةٍ من أهمِّها: رئيسُ تحريرِ مجلةِ الإذاعةِ والتلفزيونِ عامَ ١٩٧٥م، ورئيسُ اتحادِ كتَّابِ مصر، وحصل على عدة جوائز من بينها جائزةُ الدولةِ التشجيعيَّة عامَ ١٩٥٨م، ووِسامُ العلومِ والفنونِ من الطبقة الأولى، وفي عامِ ١٩٨٣م حصلَ على جائزةِ الدولةِ التقديريةِ عن مُجمَلِ أعمالِه. تُوفِّيَ ثروت أباظة عامَ ٢٠٠٢م.