«مُجمَلُ القَولِ أنَّ دُعاةَ تَطْبيقِ الشَّرِيعةِ يَرتَكِبُونَ خَطَأً فادِحًا حِينَ يُركِّزونَ جُهودَهم عَلى الإِسلامِ كَما وَرَدَ في الكِتَابِ والسُّنَّة، ويَتَجاهَلونَ الإِسلامَ كَمَا تَجَسَّدَ فِي التَّارِيخ.» مَعْركةٌ كَبِيرةٌ يُبارِزُ فِيها العَقلُ العَقلَ، ويَتجاوَزُ مَداهَا أَجْيالًا وأَجْيالًا. مَعْركةٌ يَخُوضُها الدُّكتور فؤاد زكريا بِقَلَمِه عَبْرَ مُحاوَلةِ الإِجْابةِ عَلى السُّؤالِ الأَهمِّ فِي قَضايَا الحَرَكاتِ الإِسلامِيةِ المُعاصِرة: كَيفَ نُطبِّقُ الشَّرَيعةَ الإِسلامِية؟ فالنِّقاشُ حَوْلَ الحَلِّ الإِسلامِيِّ لكَافَّةِ القَضايَا العَامَّةِ والخاصَّةِ لا يَلتَقِي والنِّقاشَ حَوْلَ مَدَى صَلاحِيَةِ الإِسلامِ بِالأَسَاسِ لِلحُكمِ والسِّياسَة. ومِنْ هُنا يُحاوِلُ الكاتِبُ إِيجادَ سَبيلٍ لحِوارٍ بَنَّاءٍ مُنطَلِقًا مِنَ التَّجارِبِ التَّارِيخِيةِ لِتَحكِيمِ الشَّرِيعةِ فِي إيران والسودان وباكستان، بِاعتِبارِها مُشْكِلةً تَمَسُّ صَمِيمَ حَياةِ الشُّعُوبِ العَمَلِيَّة، لا مُشْكِلَةَ نُصُوصٍ جامِدَة.
فؤاد زكريا: أكاديميٌّ مِصريٌّ وعَلَمٌ من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تَتلمَذَ على يد الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود، فكان من أوائل مَن تلقَّى العِلمَ على يده. وُلِد «فؤاد حسن زكريا» في مدينة بورسعيد في ديسمبر عامَ ١٩٢٧م. تلقَّى تعليمَه الثانوي في مدرسة فاروق الأول الثانوية بالعباسية بالقاهرة، وتخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) عامَ ١٩٤٩م. عُيِّن مُعيدًا في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وفي عام ١٩٥٢م نالَ درجةَ الماجستير عن رسالته «النزعة الطبيعية عند نيتشه» من جامعة عين شمس، وبعد أربع سنوات (عامَ ١٩٥٦م) حصل على درجة الدكتوراه عن رسالته «مشكلة الحقيقة» من نفس الجامعة. عمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس حتى عامِ ١٩٧٤م، انتقل بعدها إلى الكويت أستاذًا ورئيسًا لقسمِ الفلسفة بجامعة الكويت حتى عامِ ١٩٩١م، وذلك خَلَفًا لأستاذه الدكتور زكي نجيب محمود. وعمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشئون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونيسكو بالقاهرة، ومستشارًا لسلسلة «عالَم المعرفة» التي تَصدُر عن «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» الكويتي، والتي يُعَد من مؤسِّسيها. كما ترأَّسَ تحريرَ مجلتَي «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» في مصر. نال جائزةَ الدولة التقديرية، وجائزةَ الدولة التشجيعية عامَ ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب «حكمة الغرب» لِبرتراند رسل، وجائزةَ سلطان العويس عامَ ١٩٩١م، وجائزةَ الرابطة الفرنسية للتعليم والتربية. له العديدُ من المُؤلَّفات منها: «التفكير العلمي»، و«آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة»، و«الجوانب الفِكرية في مُختلِف النُّظم الاجتماعية»، و«الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل»، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج». ومن بصماته في الترجمة: «المنطق وفلسفة العلوم» لِموي، و«الفلسفة الإنجليزية في مائة عام» لِمتس، و«نشأة الفلسفة العِلمية» لِريشنباخ، و«التساعية الرابعة في النفس» لِأفلوطين، و«حكمة الغرب» لِرسل. هذا بجانب ما ألَّفَه في علم الموسيقى الذي يُعَد من اهتماماته، من ذلك: كتاب «التعبير الموسيقي»، و«مع الموسيقى»، و«ريتشارد فاجنر». تُوفِّي بالقاهرة يومَ الخميس ١١ مارس عامَ ٢٠١٠م، عن ثلاثة وثمانين عامًا.