«يقول الشاعر الأمريكي عزرا باوند: «إن العمل الفني المثمِر حقًّا هو ذلك الذي يحتاج تفسيرُه إلى مائة عمل من جنسٍ أدبي آخَر. والعمل الذي يضم مجموعةً مُختارة من الصور والرسوم هو نواةُ مائةِ قصيدة».»ينطلق «عبد الغفار مكاوي» من هذه المقولة لدراسة العلاقة بين فن التصوير وفن الشعر، ليجد أن قصة التأثير المتبادَل بينهما قصةٌ طويلة ومثيرة ومُحيِّرة، تطرح أكثر من سؤال وجواب عن تلقِّي الشعراء أعمالَ الفن، واستقبال الفنانين فيضَ الشعراء؛ فيُقدِّم العديدَ من النماذج الفنية — سواء أكانت قصيدة أم لوحة أم نحتًا أم حَفرًا — التي تجلَّى فيها هذا التأثير، مثل تمثال «فتاة بيبلوس» الموجود في متحف الأكروبوليس، والذي استلهمه عددٌ من الشعراء في قصائدهم، مثل الشاعرَين السويديَّين «يوهانس إدفيلت» في قصيدته «لوحة قديمة»، و«أورس أوبرلين» في قصيدته «عذراء». وكذلك نحتُ «رَب اللحظة المواتية» للمثَّال الإغريقي «ليسيبوس»، كان مصدرَ إلهام للعديد من الشعراء، مثل الشاعر اليوناني «بوسيديبوس». كما كان تمثال النصر «نيكا» سببًا في إلهام الشاعر الألماني «هايو يابيه»، فنظَمَ قصيدتَه الشهيرة «إلهة النصر نيكا»، وألهم التمثالُ كذلك الشاعرةَ الهولندية «إيلين جلينيس» فنظَمت قصيدتَها «آلة النصر في ساموثراكا»، تخاطب بها مُشوَّهي الحرب العالمية.
عبد الغفار مكاوي: أَكادِيميٌّ وفَيلَسوفٌ وأَدِيبٌ مِصرِي، وعَلَمٌ من أَعلَامِ التَّرجمةِ الَّذِينَ نَقَلوا الأَدَبَ الأَلمَانيَّ إلى اللُّغةِ العَرَبِية. وُلِدَ عبد الغفار حسن مكاوي فِي بَلدَةِ «بلقاس» بِمُحافَظةِ الدَّقَهلِيةِ فِي ١١ يناير عامَ ١٩٣٠م. تَلقَّى تَعلِيمَهُ الأوَّلَ بالكُتَّابِ عامَ ١٩٣٦م، وفِي العامِ التالي التَحَقَ بالمَدرَسةِ الابتِدَائِية، ثُمَّ حصَلَ عَلى «شهادةِ الثَّقافَة» مِنَ المَدرَسةِ الثَّانوِيةِ بطنطا عامَ ١٩٤٧م، وخِلالَ هَذهِ الفَترةِ قرأَ لِكِبارِ الأُدَباءِ والشُّعَراءِ والمُترجِمينَ مِن أَمثَال: طه حسين، والمازِني، والعقاد، وتوفيق الحكيم، والمنفلوطي، وجُبران. وفِي عامِ ١٩٥١م حَصَلَ على ليسانس الفَلسَفةِ مِن كُليةِ الآدابِ جَامِعةِ القَاهِرة، كمَا حَصَلَ عَلى الدُّكتُوراه فِي الفَلسَفةِ والأَدَبِ الألمَانيِّ الحَدِيثِ مِن جَامِعةِ فرايبورج ﺑ «بريسجاو» بألمَانيا عن رِسالتِهِ «بَحْثٌ فَلسَفِي عن مفهومَيِ المُحَالِ والتمرُّدِ عند ألبير كامي» عامَ ١٩٦٢م. كما كان مُلِمًّا بعِدَّةِ لُغاتٍ كالألمَانيةِ والإنجلِيزيةِ والفَرَنسيةِ والإيطَالِيةِ واللاتِينيةِ واليُونانيةِ القَدِيمة، وكانَ لِإتقانِهِ اللُّغةَ الألمَانيةَ دورٌ هامٌّ فِي ترجمةِ العَديدِ مِن كلاسِيكياتِ اَلأدبِ الألمَاني. بدأَ سِلكَهُ الوَظيفيَّ فِي وَظيفةِ «مُفهرِس» بِدَارِ الكُتبِ المِصريةِ بَينَ سَنتَي (١٩٥١–١٩٥٧م)، وفِي عامِ ١٩٦٧م عمِلَ بالتَّدريسِ بقِسمِ اللُّغةِ الألمَانيةِ ثُم قِسمِ الفلسفةِ بكُليةِ الآدَابِ جَامِعةِ القَاهرة، كمَا عُيِّن مُدرِّسًا فِي كُليةِ الآدابِ بجَامِعةِ الخرطوم. وخِلالَ الفَترةِ ١٩٧٨–١٩٨٢م أُعِيرَ إلى جَامِعةِ صَنعَاءَ باليَمَن، لِيَعودَ إلى التَّدرِيسِ بجَامِعةِ القَاهرةِ حتَّى عامِ ١٩٨٥م، غَيرَ أنهُ استقالَ مِنها ليَلتحِقَ بالتَّدرِيسِ بجَامِعةِ الكويت. نالَ مكاوي جَائزةَ الدَّولةِ التَّشجِيعيةَ فِي الأَدبِ عامَ ١٩٧٦م عن كِتابِ «ثورة الشِّعر الحديث»، ومِيداليةَ جوته مِن ألمَانيا عامَ ٢٠٠٠م، وجَائزةَ التميُّزِ مِن اتِّحادِ الكُتَّابِ عامَ ٢٠٠٢م، وجَائزةَ الدَّولةِ التَّقدِيريةَ فِي الآدَابِ مِنَ المجلسِ الأَعلى للثَّقافةِ عامَ ٢٠٠٣م. تَركَ لنا إنتاجًا أَدبيًّا غَزيرًا ما بَينَ أَعمالٍ مُؤلَّفةٍ ومُترجَمةٍ في الشِّعرِ والقصصِ والدِّراساتِ الأَدبيةِ والفَلسَفية، مِنها: «بِشْر الحافي يَخرُج من الجحيم»، و«مدرسة الحكمة»، و«المُنقِذ»، و«نداء الحقيقة»، و«هلدرلين»، و«لِمَ الفلسفة؟»، و«النور والفراشة» لجوته، و«تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» لكانط، و«ملحمة جلجاميش»، بِجانِبِ العَديدِ مِنَ المَقالاتِ التِي نَشرَها فِي «الثقافة» و«الآداب» و«المجلة» و«فصول» وغيرها. تُوفِّيَ عبد الغفار مكاوي في ۲٤ ديسمبر عام ۲۰۱۲ عن عُمرٍ يُناهِزُ ۸۲ عامًا.