تَظلُّ الفكرةُ حبيسةَ العقلِ إلى أنْ تَستفزَّها الأحداث، وتُمعِنُ الفكرةُ في التبلوُرِ حتى تَستحيلَ عقيدةً راسخةً ثابتة، وحينئذٍ لا تستطيعُ أعظمُ القُوَى أنْ تَمحوَ ما اتَّخذَ مِنَ القُلوبِ والعُقولِ بيتًا وسكنًا، و«تبلَّغوا وبلِّغوا» كتابٌ جمَعَ فيه الكاتبُ القوميُّ الشاميُّ «سعيد تقي الدين» ما يُؤصِّلُ لعقيدتِه الحِزبيةِ القومية؛ فكَتبَ وكأنَّه الأبُ الرُّوحيُّ للحركةِ القوميةِ السورية، فألْهمَها، وثبَّتَها، وأرشَدَها؛ ففاضتْ صفحاتُ كتابِه بحُبِّ الوطنِ والفناءِ مِن أجلِه، وهي مجموعةُ مقالاتٍ عقائديةٍ وسياسيةٍ وقوميةٍ واجتماعية، نَشرَها الكاتبُ على فتراتٍ متلاحقةٍ بعِدةِ مجلاتٍ وجرائدَ سورية، منها الساخِر، ومنها الثَّوري، ومنها الناصِحُ المُشفِق، ومنها المُحلِّلُ المُدقِّق.
سعيد تقي الدين: أديبٌ ومسرحيٌّ لبناني. وُلِد «تقي الدين» في مدينة «بعقلين» اللبنانية في عام ١٩٠٤م، حيث تلقَّى العِلم بها، ثم الْتَحقَ بالجامعة الأمريكية بلبنان وتخرج منها في عام ١٩25م، وخلال دراسته الجامعية انتَسبَ إلى جمعيةِ «العروة الوثقى» الشهيرة، وتولَّى عدة مسئولياتٍ فيها حتى أصبح رئيسَها ومديرَ تحريرِ المجلة الناطقة بلسانها. بدأ «تقي الدين» في الكتابة المسرحية منذ بداية شبابه، فألَّفَ مسرحيةَ «لولا المحامي» وهو في العشرين من عمره، وتوالَتْ مَقالاته الأدبية والسياسية التي تلقَّفتْها الدوريات والمجلات الشامية والمصرية لنشرها، وبعد هجرته إلى الفلبين بدأ أسلوبُه يصبح أكثرَ نُضجًا وجودة؛ فكانت مسرحياتُه الشهيرة، مثل: «نخب العدو» و«حفنة ريح»، بالإضافة إلى مجموعات قصصية مختلفة. عُيِّن «تقي الدين» قنصلًا فخريًّا للبنان في الفلبين عام ١٩٤٦م، كما انتمى في الخمسينيات إلى «الحزب القومي السوري»، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من الفعاليات والأنشطة السياسية التي تسبَّبتْ في أن يُحكَم عليه بالإعدام غيابيًّا مرتين، وبعد عدة تضييقات هاجَرَ مرةً ثانية إلى المكسيك، ومنها إلى كولومبيا حيث عاش فيها بقيةَ حياته. تُوفِّي «تقي الدين» في كولومبيا عام ١٩٦٠م.