«من الطبيعي أن يهتمَّ المستشرقون بوجهٍ عام بجوانبَ من دِيننا وتاريخنا وتراثنا وحضارتنا لا نعطيها نحن القدْرَ الكافي من الاهتمام. إن عينَ الآخَر ترى ما لا نراه، وبحُكم التعوُّد والاطمئنان إلى المألوف والموروث تَغيب عنَّا دقائقُ تاريخية وخفايا اجتماعية كثيرة ينتبه إليها الأجنبي الغريب بنظرة واحدة.»يضمُّ هذا الكتاب مجموعة من المقالات التي كتَبها المستشرق الألماني «فريتس شتيبات» حول الإسلام والمسلمين، قدَّم فيها وجهة نظره عن الكثير من القضايا الإسلامية، والعلاقة بين العالَم الإسلامي والغرب؛ فتحدَّث عن الأصولية الإسلامية، مؤكِّدًا أن مفهوم الأصولية ليس قاصرًا على الإسلام، بل يوجد في غيره من الأديان والأيديولوجيات، وأنه ينشأ في إطار تاريخي محدَّد، ويُعبِّر عن أزمةٍ فكرية تمر بها المجتمعات. كما يناقش المحتوى المكتوبَ الذي يُقدَّم لجمهور القراء في البلاد الإسلامية، سواء في الكتب أو الدوريات أو الصحف والمجلات، التي تتناول موضوعات دينية بأسلوب شعبي مبسَّط. ويُسلِّط الضوء على فكرة «الإنسان خليفة الله في الأرض»، والدور السياسي ﻟ «عمر بن الخطاب»، وغيرهما من القضايا المتعلِّقة بالإسلام والمسلمين، وأثَر ذلك على العلاقة بالغرب.
فريتس شتيبات: باحث في دراسات الشرق العربي الحديث، وأحد روَّاد الاستشراق الألماني. وُلد أوتو هيرمان فريتس شتيبات بمدينة كيمنتس شرق ألمانيا في يونيو عام١٩٢٣م، ثم انتقل مع أسرته إلى برلين بسبب انتقال والده للعمل بها، والتحق فريتس بمدرسة ماكينزين، ومع التحاقه بالمدرسة الثانوية بدأ والده في تدريبه على إدارة المطبعة التي كان يعمل بها. التحق فريتس شتيبات بجامعة برلين، وفضَّل في بداية الأمر دراسة اللغتين الصينية واليابانية، ثم وجد نفسه ينجذب إلى الدراسات العربية والإسلامية، فأتقن اللغة العربية وأدَّى أول امتحان فيها أمام مُدرسه المستعرب الكبير «فالتر براونه» عام ١٩٤١م، ثم التحق بالجيش الألماني كمترجم بقسم البحوث بوزارة الطيران في العاصمة برلين، مما ساعده على مواصلة دراسته للعلوم الإسلامية. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان أحاطت بفريتس شتيبات كل أسباب الإحباط والخيبة، فقد أمضى ثلاثة أشهر في معسكر اعتقال أمريكي، وأُجبر على العمل كمترجم ثلاثة شهور أخرى، ولم يستطع استكمال دراسته الجامعية، فحصل على مجموعة من التدريبات المؤهلة للعمل الصحفي في جامعة ميونخ؛ مما أهله للانخراط في العمل الصحفي وكتابة مجموعة من التقارير عن أحوال الشرق الأدنى في مجلة أرشيف أوروبا، والصحيفة الجديدة وصحيفة ميركور. بعد عدة سنوات استطاع شتيبات مواصلة دراسته في المعهد الشرقي التابع لجامعة برلين الحرة، إلى أن ناقش رسالة الدكتوراه الأولى عام ١٩٥٤م بعنوان «الوطنية والإسلام عند مصطفى كامل – في التاريخ الفكري للحركة الوطنية المصرية»، وعلى إثر ذلك؛ كلفته إدارة معهد جوته المركزية في ميونخ عام ١٩٥٥م برئاسة بعثته التي ستسافر إلى مصر، لتدريس اللغة الألمانية وتأسيس فرع معهد جوته في القاهرة. وهكذا تهيأت لـ «شتيبات» كل الظروف للتعمق في الدراسات العربية والإسلامية، بالإضافة للاطلاع على الحياة الاجتماعية المصرية في فترة خصبة امتدت من عام ١٩٥٥م إلى ١٩٥٩م.أنجز فريتس شتيبات العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالحالة المصرية والعربية والإسلامية عامة، منها رسالته الثانية للدكتوراه التي خصصها لدراسة نظام التعليم في مصر منذ عصر محمد علي. رجع شتيبات إلى برلين عام ١٩٥٩م وعمل معيدًا بقسم الدراسات الإسلامية بمعهد العلوم الدينية بجامعة برلين الحرة، فأنجز العديد من الدراسات والأبحاث، ثم انتقل إلى بيروت عام ١٩٦٣م، مما سمح له بالتعرف على العديد من الطوائف الدينية المسيحية والإسلامية، وقراءة التراث العربي والإسلامي عن قرب، ثم رجع شتيبات مرة أخرى إلى برلين عام ١٩٦٨م، ليتولى منصب أستاذًا مساعدًا بمعهد العلوم الإسلامية، ثم شغل كرسيّ الأستاذية خلفًا لأستاذه «فالتر براونه»، فأصبح المعهد مركزًا للحوار بين علماء الدين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والاستشراق. توفي فريتس شتيبات في برلين عام ٢٠٠٦م.