قدَّمتِ الثقافةُ الشَّفهيةُ المتوارثةُ عبرَ تاريخِ العربِ — قبلَ ظهورِ الإسلامِ وبعدَهُ — رافدًا ثريًّا للثقافةِ العربيةِ بل للثقافةِ الإنسانيةِ بشكلٍ عام، وقد تعدَّدتْ أشكالُ التعبيرِ الشَّفهيِّ ما بينَ الأمثالِ الشعبيةِ والحكاياتِ والأحاجي وأغاني الأطفالِ وغيرِها، حيث اتخذَ العربُ هذهِ الأشكالَ الأدبيةَ وسيلةً لنشرِ قيمِهم الثقافيةِ المُستقاةِ من البيئةِ العربية؛ كالشجاعةِ والإقدامِ وإغاثةِ الضعيفِ والفخرِ بالأنساب. ولإدراكِهم أهميةَ أنْ تُغرَسَ تلكَ الفضائلُ منَ الصِّغَر، فقدِ اعتنَوا بأغاني الأطفالِ التي يُهدهِدونَ بها أطفالَهم ويمرحونَ بها معَهم، لتتنوَّعَ أغراضُها بينَ المدحِ والذمِّ واللومِ والعتاب، وذلكَ في ألفاظٍ موسيقيةٍ جزلة. ويحتوي هذا الكتابُ على العديدِ من هذهِ الأغاني التي جمعَها المؤلِّفُ من كتبِ التراثِ موضِّحًا ما غمضَ من معانيها وألفاظِها، ليُعادَ استخدامُها من جديدٍ باعتبارِها وسيلةً تربويةً طريفة.
أحمد عيسى: طبيبٌ وأديبٌ ومؤرِّخٌ مصري، وُلِدَ بمدينةِ رشيد في محافظةِ البحيرةِ عامَ ١٨٧٦م، وأتمَّ تعليمَهُ الأساسيَّ بها، ثم انتقلَ إلى المدرسةِ الخديوية، والتحقَ بعدَها بمدرسةِ الطبِّ بالقاهرة. تخصَّصَ عيسى في أمراضِ النساء، كما عمِلَ بالطبِّ الباطنيِّ في العديدِ من المستشفيات، إلا أنهُ لم يستمرَّ في مزاولةِ المهنة، واتَّجهَ إلى التأليفِ والترجمة، وكان يحرصُ على حضورِ الدروسِ في تخصُّصاتٍ معرِفيةٍ أخرى بالجامعةِ المصريةِ (جامعة القاهرة). وقد أجادَ أحمد عيسى بعضَ اللغاتِ الساميَّةِ واليونانيةِ واللاتينية، وكانَ عضوًا في العديدِ من الجمعياتِ والمجالسِ كجمعيةِ الهلالِ الأحمر، ومجلسِ المجمعِ العلميِّ بدمشق، والمجلسِ الأعلى لدارِ الكتبِ المصرية، والأكاديميةِ الدوليةِ لتاريخِ العلومِ بباريس. وقدِ انتقلَ عيسى إلى رحابِ اللهِ عامَ ١٩٤٦م.