«شيبوبُ ديوانُك باكورةٌ … وفجرُك الأولُ نورُ السَّبيل» هكذا نظم أمير الشعراء «أحمد شوقي»، مادحًا هذا الديوانَ الأول للشاعر «خليل شيبوب»، كما قدَّم له الشاعر «خليل مطران». كتب الشاعر «خليل شيبوب» أبيات ديوانه ليُروِّض نفسَه في خلوتها، ولِيبعثَ فيها ما يُرضيها ويُسلِّيها في همومها؛ ففيه من ضَعْف التردُّد نصيب، ومن ذهول الحيرة نصيبٌ آخر، فهو يُلقي أمام الناس ما يُخفي داخل قلبه، فكل قصيدةٍ داخل الديوان إنما تُعبِّر عن حالةٍ منفردة، عاشها الشاعر وغاص في أعماقها حتى تملَّكَته، حتى أصبح في حيرة؛ أيُفصِح عنها ويكشفها، أم يكتمها وتموت داخل قلبه، حتى خرج لنا بديوانٍ يكشف مع كل قصيدة منه عن صورةٍ من صور شخصيته، أو مكانٍ أو شخصٍ أو ذكرى قد أَلهمَته يومًا فكتب عنها، فتكون ذكرى مجسَّدة على الورق، تحيا في نفس كل قارئ.
خليل شيبوب: شاعر مصري سوري، من المجددين في الشعر المنتقلين به من العمودي إلى الحر مع الاحتفاظ بالقافية. وُلد «خليل بن إبراهيم عبد الخالق شيبوب» في اللاذقية بسوريا عام ١٨٩٢م لأسرة من الروم الأرثوذكس، وهناك درس اللغة الفرنسية بمدرسة الفرير، وحرص أبوه على إمداده بالثقافة العربية وبأن يُقرئه أمهات الكتب العربية، فأحب الشعر العربي وقرأ لكبار الشعراء. التحق بعد ذلك بمدرسة التجارة التي ما إن حصل على شهادته منها حتى هاجر إلى مصر عام ١٩٠٨م، وقد عاش بمحافظة الإسكندرية وعمل موظفًا في مصرفٍ، ما دفعه لاستكمال دراسته ليجمع بين الاقتصاد والقانون، فحصل على ليسانس القانون من مدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة عام ١٩٢٦م. بالإضافة إلى عمله في المصرف، كان حب «شيبوب» للأدب قد جعله يعمل محررًا صحافيًّا بالصفحة الأدبية بجريدة «البصير» بالإسكندرية، وقد شارك في الأنشطة الثقافية والأدبية والندوات الشعرية هناك. كما كان أحد مؤسسي رابطة موظفي الحكومة بالإسكندرية عام ١٩٣٢م، والتي كانت تتسم بالنشاط الثقافي المكثف. وهو أيضًا من مؤسسي «جماعة نشر الثقافة» في الإسكندرية وكان الرئيس الأول لها. كما تم انتخابه ليكون عضوًا في المجلس المحلي لطائفة الروم الأرثوذكس لأكثر من مرة. نظم «شيبوب» الشعر العمودي، ولكنه أيضًا حاول التجديد بكتابة الشعر الحر ولكن دون تخلٍّ عن القافية، وقد نشر ديوانه الأول «الفجر الأول» بتقديمٍ من الشاعر «خليل مطران» عام ١٩٢٠م، وكانت قصائده تُنشر في مجلات الرسالة وأبوللو. وبعد ذلك نشر ديوانه الثاني «أحلام النهار». وكانت موضوعات قصائده تدور في فلك رمزيٍّ تعبيريٍّ وصفه «خليل مطران» بأنه: «يصفُ الإحساسَ على مثالٍ غيرِ مسبوق»، ولم يكن «شيبوب» شاعرًا فقط، بل كتب رواية باسم «ندى» وكان ينشر قصصًا قصيرةً بالمجلات الأدبية، بالإضافة إلى ذلك نُشر له ديوان مترجم من الأدب الشرقي بالتعاون مع الشاعر «عثمان حلمي» باسم «قبس من الشرق»، كما ألَّف كتابًا عن المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي»، ومعجمًا للمصطلحات القضائية «عربي-فرنسي» في ٨٠٠ صفحة. واستمر «خليل شيبوب» في العطاء الفكريِّ والأدبيِّ حتى توفي عام ١٩٥١م.