هل تَغرَقُ النجومُ في ضَوئِها؟ نعم، تفعلُ في قصيدةِ الشاعِر. وقصائدُ «بدر شاكر السيَّاب» هي أزهارُهُ وأساطيرُهُ المُضيئة. «أَضِيئِي لغَيْري؛ فكلُّ الدُّرُوب» يقولُ السيَّابُ إنَّها «سواءٌ على المُقلةِ الشارِدة»، وهي البدايةُ الدراميَّةُ المُلائمةُ لقصيدةٍ سمَّاها «نِهاية»، جاءتْ بينَ قَصائدِ ديوانِهِ هذا المُتضمِّنِ بداياتِهِ الشِّعْرية، إلا أنَّه اصطَبغَ بألوانِ النِّهايات؛ فأزهارُ العُمرِ التي ما زالَتْ تتفتَّح، وقصصُ الحبِّ الذي داعَبَ قلبَ الشاعرِ الفَتِي، والأغاني التي شَرعَتْ تَنْسابُ على ضِفافِ شُعورِه، كلُّ تلك البِداياتِ كانت فريسةً للزَّمَن، فإذا بأحداثِ الماضي القريبِ تنقلبُ أساطير، لها سَمْتٌ مِنَ الضبابيةِ والرَّوْعةِ المستحيلة، وإذا بالانتظاراتِ تطولُ؛ ﻓ «كأنَّ الزمانَ تلاشى، فلمْ يبقَ إلا انتظار»، يعصرُ الأسى فؤادَ الفتى، ينتحب: «لِمَ يسقُطُ ظلُّ يدِ القدَرِ بينَ القلبَيْن؟ لِمَ انتزعَ الزمنُ القاسي مِن بينِ يدي وأنفاسي يُمناكِ؟» ومع كلِّ فِراقٍ ووداع، يظلُّ يتساءلُ في وُجوم: «ما يكونُ الحبُّ؟ نَوْحًا وابتسامًا، أم خُفوقَ الأضلُعِ الحَرَّى إذا حانَ التلاقِي؟»
بدر شاكر السياب: شاعِرٌ عِراقِي، يُعَدُّ واحِدًا مِن أشْهَرِ الشُّعَراءِ العَربِ فِي العَصرِ الحَدِيث، ساهَمَ بالاشْتِراكِ معَ كِبارِ الشُّعَراءِ مِن أَمْثال: «صلاح عبد الصبور»، و«أمل دنقل»، و«لميعة عباس عمارة»، وغَيرِهِم فِي تَأْسِيسِ مَدْرسةِ «الشِّعْر الحُر». لهُ العَدِيدُ مِنَ القَصائِدِ والمَجْموعاتِ الشِّعْريةِ الَّتي تَميَّزتْ بالتَّدفُّقِ الشِّعْريِّ والتَّمرُّدِ عَلى الشَّكلِ التَّقلِيديِّ للقَصِيدة، صدَرَ مِنْها: «أَزْهارٌ ذابِلة»، و«أَساطِير»، و«المُومِس العَمْياء»، و«الأَسْلِحة والأَطْفال»، وغَيْرُها. وإِلى جانِبِ أَشْعارِه أَسْهَمَ «السياب» فِي تَرْجَمةِ الكَثِيرِ مِنَ الأَعْمالِ الأَدَبيَّةِ والشِّعْريَّةِ العالَميَّة، وقَدْ أَصْدرَ مَجْموعةَ تَرْجَماتِه عامَ ١٩٥٥م في كِتابٍ سمَّاه: «قَصائِد مُخْتارة مِنَ الشِّعْر العالَمِي الحَدِيث». فارَقَ «بدر شاكر السياب» الحَياةَ عامَ ١٩٦٤م، إثْرَ إِصابتِهِ بمَرضٍ شَدِيدٍ ظلَّ يُصارِعُه لسَنَواتٍ عَدِيدة.