«إن الدولة جملةُ تجاربَ إنسانيةٍ تجلَّت فيها صورةُ الأمة المثلى تجلِّيًا تدعو به مَن تمثَّلت فيهم إلى الإفصاح عنها، مع ما تستلزم هذه الدعوة من عملٍ لرفعِ العثرات في سبيل هذا الإفصاح.»شَغلت فكرةُ الدولة التجمُّعاتِ الإنسانية منذ أزمنة بعيدة؛ فمع تشابُك العلاقات وتداخُل المعامَلات، أصبحت فكرة التنظيم والإدارة أمرًا مُلحًّا للمجتمعات الناشئة، تساوت في ذلك المجتمعاتُ الزراعية والصناعية والساحلية والبدوية. سَعَت هذه المجتمعات إلى المِثالية أغلبَ وقتها، وتبلوَر هذا السعي في الوقوف على أُطُر الدولة الأخلاقية؛ الحق، والعدالة، والشريعة، وعلى مُثُل الدولة العُليا التي تتبنَّاها، مثل الأُخوَّة، والمساواة، والحُرية. وبالرغم من أن مؤلِّف الكتاب ينطلق من طبيعته القومية العروبية، فإنه جاء بسِفرٍ تَغلِب عليه الفلسفة؛ فحين أراد أن يكتُب عمَّا ينشده العرب من إقامةِ دولةٍ تُعيد مجدهم التليد، ودولتَهم المفقودة، أتى بما يجب أن تكون عليه الدولة المنشودة، مُستقيًا من وجدان العرب القدماء ما يبعث على استفزاز الشعوب للسعي نحوَ المِثالية المفقودة، قبل الدولة المفقودة.
زكي الأرسوزي: مفكِّر سوري، وهو المؤسِّس الأول لحركة البعث العربي. وُلد «زكي نجيب إبراهيم الأرسوزي» عام ١٨٩٩م في مدينة اللاذقية المطِلَّة على ساحل سوريا، وهو ينتمي إلى عائلةٍ من الطبقة الوسطى. درس اللغة الفرنسية والفلسفة في معهد لاوت في لبنان عَقِب الحرب العالمية الأولى. بعد إنهاء دراسته الجامعية، عمل مدرِّسًا لمادة الرياضيات في إحدى المدارس الثانوية بأنطاكية، بعد ذلك شغل منصب رئيس المنطقة التعليمية في عام ١٩٢٤م لمدة عامَين، وفي عام ١٩٢٧م حصل على منحةٍ من المفوضية الفرنسية العليا للدراسة في جامعة السوربون في فرنسا؛ حيث درَس هناك لمدة ثلاثِ سنوات، لكنه لم يَستطِع الحصول على شهادةٍ جامعية من السوربون. عاد إلى سوريا في عام ١٩٣٠م واستأنف عمله بالتدريس في إحدى مدارس أنطاكية، ولكن السُّلطات الفرنسية منعَته من تدريس الفلسفة الأوروبية والحديث عن مبادئ الثورة الفرنسية، وحينما أصرَّ على تعليم الطلاب قِيَم الثورة الفرنسية، الحرية والمساواة والعدالة، أوقفَته السُّلطاتُ الفرنسية عن التدريس. وفي عام ١٩٣٤ أسَّس ناديًا خاصًّا لتعليم الفنون الجميلة، لكن هذا النادي رُفِض أيضًا من قِبَل السُّلطات. ومن هنا بدأ «الأرسوزي» حياتَه السياسية بشكلٍ واضح؛ حيث أسَّس برفقةِ مجموعةٍ من القوميِّين العرب رابطةَ العملِ الوطني في لبنان، وذلك في عام ١٩٣٣م، واستمرَّ في رئاسته الإقليمية لتلك الرابطة إلى عام ١٩٣٨م، بعد ذلك عاد إلى دمشق وتابَع تعليمَ الطلاب أفكارَه القومية، وأسَّس الحزب الوطني العربي، ولكنه أُغلِق سريعًا، ثم غادَر إلى العراق، ونشَر هناك الفكرَ القومي العربي، وبعد عام واحد عاد مرةً أخرى إلى سوريا وأسَّس بها حزبَ البعث العربي في عام ١٩٤٠م، وظلَّ يرأس هذا الحزب لسنواتٍ. أمَّا عن مؤلَّفاته، فنذكر منها: «العبقرية العربية في لسانها»، و«رسالة الفلسفة والأخلاق»، و«رسالة الفن»، و«صوت العروبة في لواء الإسكندرونة». فارَق «زكي الأرسوزي» الحياةَ في عام ١٩٦٨م، ودُفِن في دمشق.