«كان هذا الشارع الذي يَقطعه حائطُ «برلين» في المنتصف يُمثِّل مركز المدينة في «برلين» ما قبل الحرب. أُقيمت فيه العروض العسكرية البروسية، ومن بوابة «براندنبورج»، التي تنتصب فوقها عربةٌ مُذهَّبة تجرُّها أربعة خيول، مرَّ «نابليون» في موكب النصر، وعندها تَحصَّن الثوريون عام ١٨٤٨م وعام ١٩١٨م، وعَبْرها انطلَق الآلاف لخوض الحرب العالمية الأولى وهم يُهلِّلون ويُطلِقون صيحات النصر.»بعد مرور أربعين عامًا على رحلته إلى ألمانيا، يكتب «صنع الله إبراهيم» عن نمط الحياة فيها عامَ ١٩٦٩م، لا ليُوثِّق سيرتَه الذاتية، وإنما ليُوثِّق سيرةَ المكان في تلك الفترة المهمة من تاريخ هذا البلد أثناء الحرب الباردة، والنظامَ الشمولي السائد في ألمانيا الشرقية، والذي انتقده بشدة، فبالرغم من انتمائه إلى الفكر اليساري، فإن هذا الانتماء لم يمنعه من انتقادِ نظامٍ لا يَحترم حريةَ الفرد وحقوقه، ويَسلبه إرادتَه السياسية. كما يَسردُ تفاصيلَ الحياة في ألمانيا الغربية، مثل السيارات الأمريكية الحديثة، والمباني العالية، فجاءَت الرواية وثيقةً تاريخيةً وجغرافية واجتماعية، يُوثِّق فيها لثورة الشباب في نهاية عَقد الستينيات، كما يُؤرِّخ لتفاصيل المدينة والشوارع والحانات، ويَسردُ الكثيرَ من العلاقات الاجتماعية المتشابكة، من خلال عيونِ مصريٍّ مغتربٍ يسافر إلى ألمانيا لتحقيقِ حُلمٍ ثقافي ونَزواتٍ عاطفية مع نساءٍ ألمانيات.
صنع الله إبراهيم: روائيٌّ مصري يساري، يُغرِّد خارج السِّرب، سُجن في عصر «جمال عبد الناصر»، وبالرغم من ذلك يُقدِّر التجرِبة الناصرية، رفض استلامَ جائزةٍ من الدولة المصرية، وسخَّر مشوارَه الأدبي في الحديث عن هموم الوطن. وُلد «صنع الله» في القاهرة عام ١٩٣٧م، وكان لوالده أثرٌ كبير على شخصيته؛ فقد زوَّده بالكتب والقصص وحثَّه على الاطِّلاع، فبدأت شخصيتُه الأدبية في التكوين منذ الصِّغَر. درس الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمُنظَّمة الشيوعية المصرية «حدتو»، فاعتُقِل عام ١٩٥٩م ضمن الحملة التي شنَّها «جمال عبد الناصر» على اليساريِّين المصريِّين، وقبع في السجن خمسَ سنوات حتى عام ١٩٦٤م. بعد خروجه من السجن اشتغل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام ١٩٦٧م، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام ١٩٦٨م، حتى عام ١٩٧١م، وبعدها اتَّجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام. ثم عاد إلى القاهرة عام ١٩٧٤م في عهد الرئيس «السادات»، وتَفرَّغ للكتابة الحُرة كليًّا عام ١٩٧٥م. تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. أُثِير حولَه الكثيرُ من الجدل بسبب رفضِه استلامَ «جائزة الرواية العربية» التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام ٢٠٠٣م. نال العديدَ من الجوائز العربية المهمة، مثل «جائزة ابن رشد للفكر الحر» عام ٢٠٠٤م، و«جائزة كفافيس للأدب» عام ٢٠١٧م.