«لقد أصبحَ الإنسانُ المصريُّ من فرطِ خوفِه وانكماشِه، يَقبلُ أوضاعًا ما كانَ ليقبلَها من قبل؛ أصبحَ يقبلُ باستسلامٍ فكرةَ وجودِ قانونَيْن، قانونٍ للمحكومِين وقانونٍ للحاكِمِين.» وقعَ تاريخُ الرئيسِ المصريِّ الأسبقِ «جمال عبد الناصر» عقبَ حربِ أكتوبر بين مِطرقةِ الناقدِين الشامِتِين وسندانِ المُتلقِّفِين المُنتهِزِين، وأصبحَتْ سيرتُه مصدرًا للتندُّر، والنقدِ الأشبهِ بمشاجرة، كنتيجةٍ للانفتاحِ وإطلاقِ الحُريات. والدكتور «فؤاد زكريا» أرَّقتْه هذهِ الحال، وأقدمَ على كتابةِ عدةِ مقالاتٍ بهدفِ الخروجِ من هذه المعمعةِ التي سقطَ فيها الرأيُ العام، وأرادَ أن يُحوِّلَها إلى قضيةٍ تُناقَشُ بجدِّية، ويُطرَحُ فيها الرأيُ والرأيُ الآخرُ بموضوعية، واختارَ قضيةَ اليسارِ المصريِّ وعَلاقتَها بالرئيس «عبد الناصر» لكونِها حجرَ زاويةٍ في النقاشِ الدائرِ وقتَها، وليُبينَ أن «عبد الناصر» استخدمَ اليسارَ ولم يَستخدمْه اليسار، وأنه أيضًا لم يُسخِّرْ سُلطتَه في خدمةِ الاشتراكية، وإنَّما وضعَها في خدمتِه، مؤكِّدًا أن خطأَ اليسارِ الأكبرَ أنَّه فهمَ غيرَ ذلك حينما اِنْبَرى للدفاعِ عن التجرِبةِ الناصريةِ التي لم تكنْ يساريَّةً بالمعنى الصحيح.
فؤاد زكريا: أكاديميٌّ مِصريٌّ وعَلَمٌ من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تَتلمَذَ على يد الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود، فكان من أوائل مَن تلقَّى العِلمَ على يده. وُلِد «فؤاد حسن زكريا» في مدينة بورسعيد في ديسمبر عامَ ١٩٢٧م. تلقَّى تعليمَه الثانوي في مدرسة فاروق الأول الثانوية بالعباسية بالقاهرة، وتخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) عامَ ١٩٤٩م. عُيِّن مُعيدًا في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وفي عام ١٩٥٢م نالَ درجةَ الماجستير عن رسالته «النزعة الطبيعية عند نيتشه» من جامعة عين شمس، وبعد أربع سنوات (عامَ ١٩٥٦م) حصل على درجة الدكتوراه عن رسالته «مشكلة الحقيقة» من نفس الجامعة. عمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس حتى عامِ ١٩٧٤م، انتقل بعدها إلى الكويت أستاذًا ورئيسًا لقسمِ الفلسفة بجامعة الكويت حتى عامِ ١٩٩١م، وذلك خَلَفًا لأستاذه الدكتور زكي نجيب محمود. وعمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشئون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونيسكو بالقاهرة، ومستشارًا لسلسلة «عالَم المعرفة» التي تَصدُر عن «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» الكويتي، والتي يُعَد من مؤسِّسيها. كما ترأَّسَ تحريرَ مجلتَي «الفكر المعاصر» و«تراث الإنسانية» في مصر. نال جائزةَ الدولة التقديرية، وجائزةَ الدولة التشجيعية عامَ ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب «حكمة الغرب» لِبرتراند رسل، وجائزةَ سلطان العويس عامَ ١٩٩١م، وجائزةَ الرابطة الفرنسية للتعليم والتربية. له العديدُ من المُؤلَّفات منها: «التفكير العلمي»، و«آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة»، و«الجوانب الفِكرية في مُختلِف النُّظم الاجتماعية»، و«الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل»، و«الثقافة العربية وأزمة الخليج». ومن بصماته في الترجمة: «المنطق وفلسفة العلوم» لِموي، و«الفلسفة الإنجليزية في مائة عام» لِمتس، و«نشأة الفلسفة العِلمية» لِريشنباخ، و«التساعية الرابعة في النفس» لِأفلوطين، و«حكمة الغرب» لِرسل. هذا بجانب ما ألَّفَه في علم الموسيقى الذي يُعَد من اهتماماته، من ذلك: كتاب «التعبير الموسيقي»، و«مع الموسيقى»، و«ريتشارد فاجنر». تُوفِّي بالقاهرة يومَ الخميس ١١ مارس عامَ ٢٠١٠م، عن ثلاثة وثمانين عامًا.