«لَم ألْقَ عندي سِوى شِعرٍ يُكذِّبُني *** إذ يُنكر العُمرَ بل يُحيي شباب دَميهذي إذَن أُغنيات اليوم أنشرُها *** ذي خَيرُ مُبتدأٍ عندي ومُختَتمِ.»يُعبر «عناني» في هذا الديوان عن حالةٍ شعورية يمرُّ بها بعد مسيرةٍ حافلة بالإبداع؛ حيث يتسرب إلى نفسه شعورٌ بأن شمس حياته في طريقها إلى الأُفول؛ ففي قصيدة «عودة الشِّعر» يستعيد نشوة الشباب وجمال الصِّبا، ويربط بين وجه الأنثى وحالة الإلهام التي يعيشها؛ إذ يجعل من وجهها وشَعرها المُرسَل على صفحات كل كتابٍ يُطالعه مُلهِمه في نَظم الشِّعر، فيَنهل من فُرات الشِّعر كلماته العذبة. أما قصيدة «دموع الميلاد» فيعود فيها إلى لحظة الميلاد؛ إذ يُصور خروج الجنين من رحِم أُمه وامتزاج الألم بالدماء والدموع في لحظةِ تَفجُّر الحياة كالبركان، كما يجعل لحالةِ العشق للمرأةِ نصيبًا وافرًا في العديد من القصائد، مثل قصيدة «خلْف الستار» التي يَستلهم مطلعها من قصيدةٍ للشاعر «علي محمود طه»، وقصائد أخرى بَثَّ فيها ما يَموج في صدره في لحظة الغروب.
محمد عناني: مُبدِع مصري موسوعي، كتب في الشعر والمسرح والنقد الأدبي، لكن مشروعه الأكبر كان في الترجمة؛ فأبدع فيها حتى استحقَّ لقب «شيخ المُترجِمين». وُلد «عناني» في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة عام ١٩٣٩م. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة عام ١٩٥٩م، ثم على درجة الماجستير من جامعة لندن عام ١٩٧٠م، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام ١٩٧٥م، ثم على درجة الأستاذية عام ١٩٨٦م. عمل مُراقِبَ لغةٍ أجنبية بخدمةِ رصد «بي بي سي» في الفترة من عام ١٩٦٨م إلى عام ١٩٧٥م، ثم محاضرًا في اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة منذ عام ١٩٧٥م، ورئيسًا لقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة بين عامَي ١٩٩٣م و١٩٩٩م. وطوال مَسيرته التدريسية بالجامعة تَخرَّج على يدَيه عشراتُ الآلاف من الطلاب، وأشرف على مئات الرسائل الجامعية. اتَّسم الإنتاجُ الأدبي ﻟ «عناني» بالتنوُّع، فجمع بين التأليف والترجمة والنقد الأدبي؛ فمن بين أعماله المُؤلَّفة: «السجين والسجَّان»، و«السادة الرعاع»، و«جاسوس في قصر السلطان». أما مُؤلَّفاته العلمية في الترجمة والنقد الأدبي فمنها: «الترجمة الأسلوبية»، و«النقد التحليلي»، و«التيارات المعاصرة في الثقافة العربية»، و«الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق». أما أعماله المُترجَمة فأهمها ترجمته لتراث «شكسبير» المسرحي بأكمله، وبعض أعمال «إدوارد سعيد» مثل: «الاستشراق وتغطية الإسلام»، و«المثقف والسلطة»، فضلًا عن أعمال أخرى مثل: «الفردوس المفقود»، و«ثلاثة نصوص من المسرح الإنجليزي». كما ساهَم في ترجمة الكثير من المُؤلَّفات العربية إلى الإنجليزية، وعلى رأسها مُؤلَّفات «طه حسين»، ودواوين ومسرحيات شعرية لكلٍّ من «صلاح عبد الصبور»، و«عز الدين إسماعيل»، و«فاروق شوشة». نال العديدَ من الجوائز؛ منها: «جائزة الدولة في الترجمة»، و«وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى»، و«جائزة الدولة في الآداب»، و«جائزة الملك عبد الله الدولية في الترجمة»، و«جائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة»، وغير ذلك من الجوائز العربية والمصرية المتميزة. رحَل الدكتور «محمد عناني» عن دُنيانا في الثالث من يناير عام ٢٠٢٣م، عن عمرٍ يناهز ٨٤ عامًا، تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا من الأعمال المترجَمة والمؤلَّفة.