«رأيت من واجبي أن أجمَع ... بعضَ الألفاظ ممَّا يَشقُّ وتَعسُر ترجمته بسبب تحوُّلاته الدلالية، ثم أرجع إلى جميع المعاجم الإنجليزية المتاحة لي ... حتى أُثبِت ما أراه صحيحًا، وأُنبِّه إلى ما أراه غير صحيح، مُتوسِّلًا بالأمثلة الواضحة التي تقطع الشك باليقين، وتساعد المترجِم المحترف في عمله.»يُقدِّم الدكتور «محمد عناني» في كتابه هذا دليلًا إرشاديًّا للمترجِم وكل مهتمٍّ بالدراسات اللسانية وفنِّيات الترجمة، مُركِّزًا على مبحثِ كيفية التعامل مع المفردات الصعبة، التي تقف عقبةً أمام المترجِم بسبب تغيُّر معانيها وفقَ السياقات؛ فيُؤسِّس الكتاب قاعدةً نظرية عميقة حول إشكاليات الترجمة المتعلِّقة بالمفردات وتشعُّب معانيها والصعوبات اللفظية التي تكتنفها، ويضرب أمثلة بكلمات تقف أمام المترجِمين عقباتٍ في نقل مقاصد المؤلِّفين بين اللغات، مُخصِّصًا الكتاب للنقل بين الإنجليزية والعربية، ثم يضع معجمًا شارحًا لأكثر من خمسٍ وعشرين كلمة إنجليزية مُرهِقة في الترجمة لكثرة ما تَحمله من معانٍ، ولاختلاف الحقول الدلالية التي تُشير إليها هي ومُقابِلاتها أو مُقارِباتها العربية، وإن كان يرفض ضمنًا فكرةَ المقابَلة بين مُفردة وأخرى.
محمد عناني: مُبدِع مصري موسوعي، كتب في الشعر والمسرح والنقد الأدبي، لكن مشروعه الأكبر كان في الترجمة؛ فأبدع فيها حتى استحقَّ لقب «شيخ المُترجِمين». وُلد «عناني» في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة عام ١٩٣٩م. حصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة عام ١٩٥٩م، ثم على درجة الماجستير من جامعة لندن عام ١٩٧٠م، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام ١٩٧٥م، ثم على درجة الأستاذية عام ١٩٨٦م. عمل مُراقِبَ لغةٍ أجنبية بخدمةِ رصد «بي بي سي» في الفترة من عام ١٩٦٨م إلى عام ١٩٧٥م، ثم محاضرًا في اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة منذ عام ١٩٧٥م، ورئيسًا لقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة بين عامَي ١٩٩٣م و١٩٩٩م. وطوال مَسيرته التدريسية بالجامعة تَخرَّج على يدَيه عشراتُ الآلاف من الطلاب، وأشرف على مئات الرسائل الجامعية. اتَّسم الإنتاجُ الأدبي ﻟ «عناني» بالتنوُّع، فجمع بين التأليف والترجمة والنقد الأدبي؛ فمن بين أعماله المُؤلَّفة: «السجين والسجَّان»، و«السادة الرعاع»، و«جاسوس في قصر السلطان». أما مُؤلَّفاته العلمية في الترجمة والنقد الأدبي فمنها: «الترجمة الأسلوبية»، و«النقد التحليلي»، و«التيارات المعاصرة في الثقافة العربية»، و«الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق». أما أعماله المُترجَمة فأهمها ترجمته لتراث «شكسبير» المسرحي بأكمله، وبعض أعمال «إدوارد سعيد» مثل: «الاستشراق وتغطية الإسلام»، و«المثقف والسلطة»، فضلًا عن أعمال أخرى مثل: «الفردوس المفقود»، و«ثلاثة نصوص من المسرح الإنجليزي». كما ساهَم في ترجمة الكثير من المُؤلَّفات العربية إلى الإنجليزية، وعلى رأسها مُؤلَّفات «طه حسين»، ودواوين ومسرحيات شعرية لكلٍّ من «صلاح عبد الصبور»، و«عز الدين إسماعيل»، و«فاروق شوشة». نال العديدَ من الجوائز؛ منها: «جائزة الدولة في الترجمة»، و«وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى»، و«جائزة الدولة في الآداب»، و«جائزة الملك عبد الله الدولية في الترجمة»، و«جائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة»، وغير ذلك من الجوائز العربية والمصرية المتميزة. رحَل الدكتور «محمد عناني» عن دُنيانا في الثالث من يناير عام ٢٠٢٣م، عن عمرٍ يناهز ٨٤ عامًا، تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا من الأعمال المترجَمة والمؤلَّفة.