البشر هم النوع الوحيد من الكائنات الذي استطاع تطويرَ قدرةٍ فائقة على التقسيم المُتقَن للعمل بين الغُرباء. يعتمد نشاط بسيط، كشراء قميص، على شبكةٍ مُدهِشة من التفاعل والتنظيم تُغطِّي العالَم بأَسره. ولكن على عكس اللغة — تلك السمة التي تتفرَّد بها البشرية — لم تَتطوَّر قدرتنا على التعاون مع الغرباء تدريجيًّا خلال عصورِ ما قبل التاريخ؛ فمنذ عشرة آلاف سنة فقط — وهي طَرفةُ عينٍ من منظور الزمن التطوُّري — كان البشر، الذين اعتادوا الصيد في جماعات، يرتابون بشدةٍ في الغرباء، ويُقاتِلونهم. ومع معرفة الزراعة، أدخَل البشر تحسينات كبيرة على تقسيم العمل حتى وصلنا إلى أن أصبحنا اليومَ نعيش ونعمل وسط الغرباء، ونعتمد في حياتنا على ملايين منهم؛ ففي كل مرة نُسافر فيها بالقطارات أو على متن الطائرات، نعهد بحياتنا إلى أفرادٍ لا نعرفهم. فما المؤسسات التي جعلت هذا الأمر مُمكنًا؟ في هذا الكتاب، يُقدِّم لنا المُؤلِّف سردًا مشوِّقًا من منظورٍ تَطوُّري واجتماعي لظهور تلك المؤسسات الاقتصادية التي لا تتولَّى إدارة الأسواق فحسب، بل تدير أيضًا الكثير من الشئون الأخرى في حياتنا. يستند المُؤلِّف إلى آراء ثاقبة مُستمَدة من علوم الأحياء، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، وعلم النفس، ليكشف لنا كيف أدت قُدرتنا المتطورة على التفكير المجرد إلى ظهور مؤسسات مثل الأسواق والمدن؛ ومن ثَمَّ وفَّرت الأساس الذي قامت عليه الثقة الاجتماعية. يُظهِر لنا هذا السردُ الغرابةَ والضَّعف المُذهلَين اللذين تتَّسم بهما حياتنا اليومية.
بول سيبرايت: أستاذ اقتصاد بريطاني يُدرِّس بمعهد الاقتصاد الصناعي وكلية تولوز للاقتصاد بجامعة تولوز في فرنسا. درَس سيبرايت بكلية نيو كوليدج في جامعة أكسفورد، وتخرَّج فيها مع مرتبة الشرف عام ١٩٨٠. حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد عام ١٩٨٢، ثم نال درجة الدكتوراه عام ١٩٨٨ من جامعة أكسفورد.