«أمَّا قصة الميلاد نفسها فتحتوي على أخطرِ المُداخَلات اليهودية في الإنجيل، وهي المُداخَلة التي رسَّخت الأصلَ اليهودي ليسوع، فأسرةُ يسوع ليسَت أسرةً جليلية مُتهوِّدة، بل هي أسرةٌ يهودية من مدينة بيت لحم الواقعة في مُقاطَعة اليهودية، ويسوع وُلد في بيتٍ عادي من بيوتِ بيت لحم؛ حيث قصَده المجوسُ هناك وسجدوا له وقدَّموا الهدايا.»يَفضُّ «فراس السواح» غمارَ الرواية التوراتية في العهد الجديد حول يسوع المسيح — التي تُصوِّره شخصيةً يهودية جاءت من قلب المؤسسة اليهودية — ليُقدِّم له رؤيةً أخرى مُستنِدة إلى دراسةٍ مقارنة بين العهدِ الجديد بأناجيله الأربعة، والنصوصِ الغُنوصيَّة التي أُتلِفت في القرن الرابع الميلادي، ولم يَبقَ منها سوى ترجماتٍ قبطية دُفِنت في صحراءِ صعيدِ مصر، ولم تُكتشَف إلا بعد مرور ألف وخمسمائة سنة. وتَتمحور رؤية «السواح» هذه حول نفيِ فكرةِ الأصل اليهودي للمسيح، وانتسابه للمَلِك داود، كما نفى ميلادَ المسيح في مدينة «بيت لحم» اليهودية، ورأى أنه وُلِد في مدينة أخرى في «الجليل» تحمل الاسمَ نفسه، ونفى أيضًا فكرةَ أن تكون رسالة المسيح هي تقويم شريعة العهد القديم، بل رأى أنه كان رافضًا لها ولإله اليهود، مُناديًا برسالةٍ إنسانية شاملة. وفي الختام، قدَّم «السواح» ترجمةً ﻟ «إنجيل توما»؛ أحدِ أدبيات الغُنوصيَّة المسيحية.
فراس السواح: مفكِّرٌ لامع في سماء ميثولوجيا الشرق، ومؤرِّخٌ بارز في تاريخ الأديان، وفيلسوفٌ مُغامِر، وأحد أبرز المفكِّرين العرب الذين أبحروا خارج النَّسَق الديني النمطي، وقدَّم رؤيةً مُغايِرة عما هو سائدٌ من أفكار عقائدية. وُلِد في حمص عام ١٩٤١م لعائلةٍ حموية أزهرية، وعاش في فضاءٍ تنويري أتاح له أن يختار طريقَه بنفسه؛ فوالده الكاتب والصحفي «أحمد السواح»، رئيس تحرير جريدة «الفجر» السورية، وجَدُّه «نورس السواح» الذي كان شيخًا أزهريًّا درس علومَ الدين بالجامع الأزهر. درس «فراس» الاقتصادَ في جامعة دمشق، وتخرَّجَ منها عام ١٩٦٥م، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولكنه لم يُكمِل دراستَه فيه. استهوَته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرًا، فكتب في الصحف والمجلات السورية منذ عام ١٩٥٨م، ونشر أبحاثَه الأولى في الآداب اللبنانية عام ١٩٦٠م. وفي عام ١٩٧٦م أصدَر كتابه التأسيسي والرصين «مُغامَرة العقل الأولى»، وأصدر عام ١٩٨٥م كتابَه الشهير «لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة». ومنذ عام ١٩٨٦م تفرَّغ لدراسة التاريخ والأركيولوجيا والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكلٍ مستقل، فصدرت له الكثير من الكتب، مثل: «كنوز الأعماق: قراءة في مَلْحمة جلجامش»، و«تاريخ أورشليم»، و«مدخل إلى نصوص الشرق القديم»، و«موسوعة تاريخ الأديان»، و«الوجه الآخَر للمسيح»، و«الإنجيل برواية القرآن»، و«طريق إخوان الصفاء»، و«ألغاز الإنجيل»، و«القصص القرآني ومتوازياته التوراتية». وأصدَر في بكين بالتعاوُن مع الدكتور «تشاو تشنج كو» كتابًا باللغتَين الصينية والعربية عن الحكيم الصيني «لاو تسو». كما ساهَمَ بكتابَين باللغة الإنجليزية صدرا في بريطانيا، هما: «أورشليم بين التوراة والتاريخ»، و«جدليات إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فلسطين». كرَّمه الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والجمعية التاريخية السورية، وأمانة عمان. يعمل حاليًّا أستاذًا في تاريخ أديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.