«لقد كان همِّي دومًا البحث عن وحدة التجرِبة الروحية للإنسان عبر التاريخ، بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية، وهل هي من أصلٍ ما وراثي أم نتاج تجرِبة إنسانية وكدح روحي.»على الرغم من دَحض التفكير العلمي لقيمة الأسطورة في القرن الثامن عشر، فإن الثورة الفنية والجمالية خلال القرن التاسع عشر أعادت إليها رونقها باعتبارها أصلًا للفن والدين والتاريخ، ثم اتجهَت العلوم الإنسانية للبحث، خلف الشكل الظاهر لها، عن رموزٍ كامنة ومعانٍ عميقة لفهم الإنسان وسلوكه وحياته الروحية والنفسية؛ ومن ثَمَّ راح المُفكر «فِرَاس السوَّاح» يُقدِّم دراسةً ميثولوجيةً لأساطير الشرق الأدنى القديم، وبالأخص الأساطير السورية والبابلية، للوقوف على الدلالات والرمزيات النفسية والتاريخية والاقتصادية التي تحملها الأسطورة، موضِّحًا أنها ليست خرافةً أو حكايةً شعبية، وإنما هي المحاولات الأولى للعقل البشري لفهم ماهيته، ولفهم نشأة الكون، وما يُقدِّمه من ظواهر كونية عجز عن تفسيرها ومواجهتها، فلجأ إلى الأسطورة التي تَشكَّلت في سياقٍ تاريخي ونفسي وثقافي، عكست خياله ومخاوفه وطموحاته، وشكَّلت معتقداته الدينية.
فراس السواح: مفكِّرٌ لامع في سماء ميثولوجيا الشرق، ومؤرِّخٌ بارز في تاريخ الأديان، وفيلسوفٌ مُغامِر، وأحد أبرز المفكِّرين العرب الذين أبحروا خارج النَّسَق الديني النمطي، وقدَّم رؤيةً مُغايِرة عما هو سائدٌ من أفكار عقائدية. وُلِد في حمص عام ١٩٤١م لعائلةٍ حموية أزهرية، وعاش في فضاءٍ تنويري أتاح له أن يختار طريقَه بنفسه؛ فوالده الكاتب والصحفي «أحمد السواح»، رئيس تحرير جريدة «الفجر» السورية، وجَدُّه «نورس السواح» الذي كان شيخًا أزهريًّا درس علومَ الدين بالجامع الأزهر. درس «فراس» الاقتصادَ في جامعة دمشق، وتخرَّجَ منها عام ١٩٦٥م، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولكنه لم يُكمِل دراستَه فيه. استهوَته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرًا، فكتب في الصحف والمجلات السورية منذ عام ١٩٥٨م، ونشر أبحاثَه الأولى في الآداب اللبنانية عام ١٩٦٠م. وفي عام ١٩٧٦م أصدَر كتابه التأسيسي والرصين «مُغامَرة العقل الأولى»، وأصدر عام ١٩٨٥م كتابَه الشهير «لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة». ومنذ عام ١٩٨٦م تفرَّغ لدراسة التاريخ والأركيولوجيا والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكلٍ مستقل، فصدرت له الكثير من الكتب، مثل: «كنوز الأعماق: قراءة في مَلْحمة جلجامش»، و«تاريخ أورشليم»، و«مدخل إلى نصوص الشرق القديم»، و«موسوعة تاريخ الأديان»، و«الوجه الآخَر للمسيح»، و«الإنجيل برواية القرآن»، و«طريق إخوان الصفاء»، و«ألغاز الإنجيل»، و«القصص القرآني ومتوازياته التوراتية». وأصدَر في بكين بالتعاوُن مع الدكتور «تشاو تشنج كو» كتابًا باللغتَين الصينية والعربية عن الحكيم الصيني «لاو تسو». كما ساهَمَ بكتابَين باللغة الإنجليزية صدرا في بريطانيا، هما: «أورشليم بين التوراة والتاريخ»، و«جدليات إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فلسطين». كرَّمه الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والجمعية التاريخية السورية، وأمانة عمان. يعمل حاليًّا أستاذًا في تاريخ أديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.