يضمُّ هذا الكتاب التاريخي بين دفَّتَيه يومياتِ «تشارلز داروين» حول رحلته التي شملت مناطقَ في أمريكا الجنوبية ونيوزلندا وأستراليا، في الرحلة المعروفة برحلة البيجل؛ نسبةً إلى السفينة التي انطلق «داروين» على مَتنها في رحلته الطويلة حول العالَم. كان مقدَّرًا لهذه الرحلة أن تستغرق عامَين، ولكنها استمرت خمسةَ أعوام كاملة؛ حيث بدأت في ديسمبر ١٨٣١ وانتهت في أكتوبر ١٨٣٦. فمن أطراف أمريكا الجنوبية وجزر جالاباجوس إلى أستراليا وجزيرة تاهيتي، بدأ «داروين» دراسةَ الجيولوجيا، وانتهى به المطاف إلى معلوماتٍ من شأنها أن تقود إلى نظريته عن التطوُّر بالانتخاب الطبيعي. تحتلُّ هذه الرحلة مكانةً مميزة في تاريخ الاستكشاف العلمي، ويقوم هذا الكتابُ على ملاحظات «داروين» ووجهات نظره التي اتَّسمت بدِقَّتها ووضوحها وتنوُّعها، فأصبحت بمثابة مَرجعٍ للقُراء العاديين والمُتخصِّصين على حدٍّ سواء. جمع «داروين» خلال هذه الرحلة عيناتٍ لا حصرَ لها من مُختلِف النباتات والحيوانات والصخور والتربة، من كل منطقةٍ نزل بها لدراستها، مستغلًّا معرفتَه الأولية بالجيولوجيا، من أجل عرضها على كبار الخبراء والعلماء، كما الْتَقى العديدَ من الأجناس البشرية، وقدَّم سردًا رائعًا لأصولهم وتقاليدهم وعاداتهم الغريبة. يُغطِّي الكتابُ مجالاتٍ علميةً متعددة، كالأنثروبولوجيا والبيولوجيا والجيولوجيا، وهو ما يجعله موسوعةً علمية متكاملة.
تشارلز داروين: عالِمُ أحياء وطبيعة، وجيولوجيٌّ إنجليزي ذائعُ الصيت، يُوصَف إلى جانبِ كلٍّ مِن «كوبرنيكوس» و«فرويد» بأنه أحدُ أكبر ثلاثة طعنوا البشريةَ في كبريائها. دشَّنَ ما بات بعدُ يُعرَف ﺑ «نظرية التطور»، التي أحدثَتْ ثورةً معرفية ونقلةً نوعية في فهمنا للتاريخ الطبيعي؛ حيث تبرهن النظريةُ على أن السجلَّ الأحفوريَّ للكائنات الحية — على اختلافِ أنواعها، ومنها الإنسان — يرجعُ إلى سلفٍ واحدٍ مُشترَك؛ وهي بهذا المعنى تُعتبَر أحدَ أكثر النظريَّات تأثيرًا وإثارةً للجدل في العصر الحديث. وُلِد تشارلز روبرت داروين في الثاني عشر من شهر فبراير عامَ ١٨٠٩م. كان الخامسَ من بين ستة أبناء لعائلةٍ ثرية. عمل أبوه «روبرت داروين» طبيبًا وخبيرًا ماليًّا، وكان جَدُّه «إراسموس داروين» عالِمَ نباتاتٍ مشهورًا. تُوفِّيَتْ والدته عامَ ١٨١٧م، ولم يَبلُغ بعدُ سنَّ التاسعة. تنتمي عائلته إلى طائفةِ التوحيديِّين المسيحية، وهي طائفةٌ تنتمي إلى الكنيسة الإنجيلية. درس داروين الطب، لكنه لم يَجِد في نفسه ميلًا إليه، وهو الأمر الذي أزعَجَ والده؛ مما اضطره لإرسال ابنه إلى كلية المسيح بكامبريدج للحصول على بكالوريا الفنون، كخطوةٍ تمهيدية ليكون كاهنًا مسيحيًّا. كان داروين أثناءَ فترة دراسته للفنون يَهوَى ركوبَ الخيل والرِّمايةَ وجمْعَ الخنافس. تعرَّفَ خلالَ تلك الفترة إلى أستاذِ علمِ النباتات «جون ستيفنس هنسلو»، الذي أوصى بأن يكون داروين على متن سفينة «بيجل» التابعة للبحرية الملكية البريطانية، وذلك بعد تخرُّجه في كلية الفنون عامَ ١٨٣١م. أقلعَتْ سفينة بيجل في السابع والعشرين من شهر ديسمبر عامَ ١٨٣١م من ميناء «ديفون» الإنجليزي في مهمةٍ علميةٍ حولَ العالَم، هدفُها الأساسي مسْحُ المناطق المجهولة بنصف الكرة الجنوبي. استغرقَتِ الرحلةُ زُهاءَ خمسِ سنوات، قضى خلالَها داروين معظمَ وقته في المسح الجيولوجي واستكشاف التاريخ الطبيعي من خلال جمْعِ العيِّنات وتدوينِ الملاحظات والتخمينات النظرية ليُرسِلها إلى جامعة كامبريدج. بدأ داروين في نشر مقالاته وأبحاثه بكثافةٍ أثناءَ هذه الرحلة وبعدَها. حصل على زمالة الجمعية الملكية عامَ ١٨٣٩م، وتقلَّدَ وسامَ الجمعية الملكية عامَ ١٨٥٣م، كذلك حصل على «ميدالية والستون»، وهي أعلى جائزة علميَّة تمنحها الجمعية الجيولوجية في لندن وذلك في عام ١٨٥٩م، وهو العام نفسه الذي أصدَرَ فيه سِفْره «أصل الأنواع»، كذلك منحَتْه جامعة كامبريدج الدكتوراه الفخرية عامَ ١٨٧٧م. تُوفِّي داروين في التاسع عشر من أبريل عامَ ١٨٨٢م عن ثلاثة وسبعين عامًا، ودُفِن إلى جانب إسحاق نيوتن، تاركًا وراءَه عملًا علميًّا عظيمًا غيَّرَ وجهَ التاريخ البشري.