«وتختلف دائرة المعارف الإسلامية عن كتاب «بروكلمان» في أنها قامت في الأصل على أساس التعاون العالمي، وأنها تمَّت على مرِّ السنين والأعوام. وقد اشترك في التخطيط لها اشتراكًا حاسمًا المستشرقُ «سنوك هورجرونيه»، وقام على التنفيذ خلَفُه على كرسي ليدن المستشرقُ «أرنت يان فنسنك» (١٨٨٢–١٩٣٩م)، واشترك لفيفٌ من المستشرقين الألمان في كتابةِ عددٍ عظيم من المواد.»بالرغم ممَّا يَشوب الاستشراقَ من شكٍّ وريبة تجاهَ أهدافه من دراسة الشرق، فإن بعض المدارس الاستشراقية كان لها دورٌ إيجابي في التعريف بالشرق على نحوٍ صحيح، ومن أبرزها المدرسةُ الألمانية التي عُنِيت بدراسة التراث العربي والإسلامي، وقدَّمت الكثيرَ من الدراسات التي تبرهِن على التقدير الخاص للإسلام ومَظاهره المختلفة. يتناول هذا الكتاب جهودَ هذه المدرسة، في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر حتى العَقد السابع من القرن العشرين؛ فيسلِّط الضوء على جهودِ أهمِّ المستشرقين الألمان، وعلى رأسهم شيخُ المستشرقين الألمان «تيودور نولدكه»، فضلًا عن دراسة تطوُّر هذا الحقل في الجامعات الألمانية، مع التركيز على التخصُّصات التي نالت الاهتمامَ أكثرَ من غيرها، وخاصةً علوم اللغة العربية والقرآن، والفلسفة الإسلامية، والتصوُّف، والتاريخ السياسي للحكومة الإسلامية.
رودي بارت: مستشرِق وعالم لغوي ألماني. من أشهر إسهاماته ترجمةُ القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية عام ١٩٦٦م، وتُعَد هذه الترجمة أفضلَ الترجمات الموثوق بها حتى الآن. وُلد «رودولف رودي بارت» في جنوب ألمانيا عام ١٩٠١م. نشأ في عائلة مسيحية شديدة التديُّن، وهو ما دفعه أولًا لدارسة اللاهوت البروتستانتي في جامعة توبنجن عام ١٩٢٠م بعد حصوله على منحةٍ دراسية من مؤسسة توبنجن الإنجيلية، ولكنه سرعان ما تحوَّل اهتمامُه إلى الدراسات الشرقية، وتعلَّم حينها اللغاتِ العربية والتركية والفارسية في جامعة توبنجن، وحصل على درجة الدكتوراه عامَ ١٩٢٤م تحت إشراف المستشرِق الألماني «إينو ليتمان». استهلَّ مسيرته العملية بالتدريس في جامعة روبريخت كارلس في هايدلبرج بألمانيا، ثم عُيِّن أستاذًا للُّغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة توبنجن، كما درَّس علوم الإسلام والساميَّات في جامعة بون، هذا فضلًا عن عضويته في الجمعية الشرقية الألمانية، والمعهد الألماني المسيحي، والجمعية الألمانية للدراسات الإسلامية. لم يَألُ «بارت» جهدًا في تعريف الأوروبيِّين بحقيقة الإسلام ورسالة محمد، فألقى الكثيرَ من المحاضَرات والأحاديث الإذاعية التي أظهرَت حبَّه للإسلام، بالرغم من تنشئته المسيحية؛ ولهذا لقي حبًّا ومودَّة كبيرَين من قِبَل المسلمين بألمانيا وخارجها. ومن أبرز أعماله: «تاريخ حضارات العالم»، و«محمد والقرآن»، و«القرآن تعليق وفهرست»، و«الإسلام والتعليم اليوناني»، و«حدود البحث القرآني»، و«رمزية الإسلام»، و«الكتب المقدَّسة في الإسلام»، و«سيف بن ذي يزن»، و«الإسلام والتراث الثقافي اليوناني». تُوفِّي «رودي بارت» في عام ١٩٨٣م.