أفريقيا قلب العالم القديم وهامش العالم الحديث، القارة الأغنى، والتي ظلَّتْ مَطمَعًا للمستعمرين ومسرحًا للحروب الأهليَّة، في معارك للسيطرة على خيراتها. ورغم عراقتها، إلا أن الكثير من تخوم أفريقيا ظلَّتْ مجهولةً حتى بدايات القرن الماضي، الأمر الذي أثار فضول الباحثين — ولا يزال — وأكسب الكتاب الذي بين أيدينا أهميةً كبيرة؛ إذ يقدِّم مؤلِّفاه من خلاله دراسةً علميَّةً جادَّة، تسعى لفهمٍ أعمق وأشمل للقارة السمراء. ويتناول كلٌّ من أستاذَي الجغرافيا الدكتور محمد رياض والدكتورة كوثر عبد الرسول في القسم الأول من الكتاب ظروفَ نشأةِ القارة وتاريخها مع الاستعمار، ثمَّ يفصِّلان خصائصها الجغرافيَّة والطبيعيَّة، وأنماطها السكانيَّة والاقتصاديَّة، ويعرضان في القسم الثاني ستة نماذج لدول إفريقيَّة مُمثِّلة لأقاليم مختلفة، ويختمان بتوثيقٍ بصريٍّ لوجه إفريقيا من خلال مجموعة من الصور الفوتوغرافيَّة المميَّزة.
محمد رياض: جغرافيٌّ مصريٌّ مُعاصِر، حاصلٌ على جائزة الدولة التقديرية، ويُعَدُّ واحدًا من أبرز أساتذة الجغرافيا السياسية، وله إسهاماتٌ عِلمية وفِكرية وأكاديمية جليلة، وذلك من خلال أبحاثه ومحاضراته ومقالاته وكُتُبه. وُلِد «محمد رياض أحمد رياض» في القاهرة عامَ ١٩٢٧م، وحصل على الليسانس في الجغرافيا عامَ ١٩٤٩م، وتابَعَ دراستَه حتى أتَمَّ دبلوم الدراسات السودانية من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًّا) عامَ ١٩٥١م، ثمَّ نالَ درجةَ الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة فيينا عامَ ١٩٥٦م، عاد بعدَها إلى مِصرَ ليعمل مدرِّسًا للجغرافيا في كلية الآداب بجامعة عين شمس. ظلَّ النشاطُ الأكاديمي للدكتور محمد رياض متوقِّدًا؛ حيث طاف بعدة جامعات مصرية وعربية، من بينها: جامعة بيروت العربية وجامعة قطر، كما شارَكَ في العديد من المؤتمرات الدولية في الجغرافيا والأنثروبولوجيا في النمسا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وكندا. وإلى جانب اهتمامه بالجغرافيا وتداخُلها مع الاقتصاد والسياسة، وعلاقتها بالتاريخ وانعكاسهما معًا على شكل العمران وخصائص السكان؛ أَوْلى رياض القضايا المصرية اهتمامًا خاصًّا، فصرَفَ الكثيرَ من الجهد والوقت للبحث في مَعالِم الهُوِيَّة الوطنيَّة وتوكيدها، وتحليل المشكلات التنموية والجيوبوليتيكية اللصيقة بالواقع المصري. ولعل من أهم مُؤلَّفات الدكتور محمد رياض كتابَه الذي شاركَتْه في تأليفه زوجتُه الدكتورة كوثر عبد الرسول، وسمَّيَاه: «رحلة في زمان النوبة»، وهو مِن أهمِّ الكتب التي عُنِيت بالنوبة المصرية، وقد وضعاه بعد ثلاث رحلات بحثيَّة قامَا بها بين عامَيْ ١٩٦٢م و١٩٦٣م إلى تلك المنطقة قبل تهجير النوبيين منها. ولرياض كتبٌ أخرى عديدة، منها: «الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا»، و«أفريقيا: دراسة لمقومات القارة»، و«مصر: نسيج الناس والمكان والزمان»، و«الإنسان: دراسة في النوع والحضارة»، و«جغرافية النقل»، و«الجغرافيا الاقتصادية وجغرافية الإنتاج الحيوي». ويُضاف إلى ذلك نحو ٢٥٠ بحثًا بالعربية والإنجليزية في موضوعات اقتصادية واجتماعية وتنموية وسياسية تَهتمُّ بالشأن المصري والأفريقي والشرق أوسطي، فضلًا عن عشرات المقالات المنشورة بجريدتَي الأهرام والمصري اليوم، ومجلتَي الهلال والسياسة الدولية، وقد تناولَتْ مقالاتُه العديدَ من القضايا المُعاصِرة المُلِحَّة؛ حيث يَتبنَّى الحلولَ الواقعية والجذرية، على غِرارِ دَعْوته لتطوير منطقة قناة السويس إلى إقليمٍ صناعيٍّ تجاريٍّ يسهم بفاعليةٍ في الاقتصاد المصري. وقد فاز الدكتور محمد رياض بجائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية عامَ ٢٠١٧. كوثر محمود عبد الرسول: أكاديمية وباحثة جغرافية مصرية، كان لها اهتمام خاص بالحضارات الأفريقية، وطرق الانتشار الحضاري، والعرب في شرق أفريقيا. وُلِدَتْ بالقاهرة سنة ١٩٢٦م. حازت عدة شهادات علمية، أولها ليسانس الجغرافيا سنة ١٩٤٩م من جامعة فؤاد الأول — القاهرة حاليًّا — ودبلوم معهد التربية العالي سنة ١٩٥٠م، ثم دبلوم الدراسات السودانية بالعام التالي، ثم بكالوريوس التربية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة ١٩٥٣م، وأخيرًا درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة فيينا بالنمسا سنة ١٩٥٦م. شغلت وظائف أكاديمية عديدة، بدءًا من مدرس الجغرافيا بكلية البنات جامعة عين شمس في الفترة بين عامي ١٩٥٧م و١٩٦٣م، ثم أستاذ مساعد، ثم أستاذ في كلية الدراسات الإنسانية للبنات بجامعة الأزهر سنة ١٩٧٠م، وتقلدت عِمادة كلية التربية بجامعة قطر بين عامي ١٩٧٣م و١٩٧٧م، ورئاسة قسم الجغرافيا بالجامعة نفسها بين عامي ١٩٧٣م و١٩٨٥م، وأخيرًا رئاسة قسم الجغرافيا بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر من عام ١٩٩٦م وحتى ٢٠٠١م. التقت زوجها الدكتور محمد رياض أثناء دراستهما الجامعية، تزوَّجا وخاضَا معًا حياة أسرية علمية وعملية حافلة، تشاركا شغفهما بالتدريس والبحث والتأليف، فألَّفا معًا ثلاثة كتب مهمة هي: «أفريقيا»، و«الجغرافيا الاقتصادية وجغرافية الإنتاج الحيوي»، و«رحلة في زمان النوبة»، وهذا الأخير يحمل قيمة علمية وثقافية كبيرة؛ فهو يُوَثِّقُ للنوبة قبل تهجير أهلها، وقد وضعاه بعد ثلاث رحلات بحثية قامَا بها سويًّا إلى هناك في ستينيات القرن العشرين. كذلك كان للدكتورة كوثر العديد من البحوث الميدانية التي تناولت المجتمعات الريفية ومجتمعات البدو المستقرِّين على الهامش الزراعي المصري، وخاصة قبيلة «العبابدة» المنتشرة من الأقصر إلى بلاد النوبة، فضلًا عن بحوث اجتماعية جغرافية في النوبة المصرية قبل بناء السد العالي وترحيل النوبيين من أراضيهم، وقد نُشِرَتْ تلك الأبحاث في مقالات عديدة بالعربية والإنجليزية داخل مصر وخارجها، وآخر منشوراتها العلمية في الدوريات المحكمة ظهرت بالإنجليزية في حوليات جامعة قطر سنة ١٩٩١م. في ١٩٩٥م خصصت الدكتورة كوثر عبد الرسول عوائد منحةٍ مالية قدرها ٣٣ ألف جنيه مصري للمتفوِّقات في الجغرافيا بجامعة الأزهر، ظلت ساريةً حتى بعد وفاتها عام ٢٠٠٢م.