«وقد تمَّ ربط الأخلاق بالدِّين تدريجيًّا، عندما أخَذ الفِكر الإنساني ينظر إلى الكون باعتباره وحدةً مترابطة متكاملة، يَسُودها نظامٌ دقيق يجمع الأجزاءَ إلى بعضها في توازُنٍ مُحكَم، ويرى وراء هذا الكون قدرةً إلهية واحدة غير مجزَّأة، وتجلَّت هذه الرؤية بأوضح أشكالها مع ظهور المعتقَد التوحيدي الذي لا يرى في الوجود سوى الله من جهة، والعالَم من جهة أخرى.»يتعدَّد مفهوما الخير والشر تبعًا للمعتقَد الديني وفكرة التوحيد؛ فلكلِّ معتقَدٍ رؤيةٌ لاهوتية خاصة به حولَ الإله والشيطان، ويُمكِن إجمالُ ذلك في أربعة أوجُه؛ الأول: يرى أن الله صانع الخير والشر معًا، وهو المعتقَد التوراتي. والثاني: يجعل من الله كِيانًا مُفارِقًا يسمو على الخير والشر، لكنه يقف بجانب الخير، وهو المعتقَد الزرادشتي. والثالث: يتصوَّر وجود أصلَين أزليَّين لا أصلٍ واحد، وهما الله والمادة؛ فالله هو الخير، والمادة هي الشر، وهو المعتقَد المانوي. والرابع: يؤكِّد وَحْدانية الله وخيره وعَدْله، وأن الشر شخصية ما ورائية كبرى، ولكنها ليست أزلية، بل مخلوقة من قِبَل الله الذي أعطاها الحرية منذ البدء، وهو المعتقَد المسيحي والإسلامي. وفي إطار هذه الأوجُه الأربعة يتقصَّى «فراس السواح» مفهومَي الخير والشر في المعتقَدات، وانعكاسهما على الصيرورة التاريخية.
فراس السواح: مفكِّرٌ لامع في سماء ميثولوجيا الشرق، ومؤرِّخٌ بارز في تاريخ الأديان، وفيلسوفٌ مُغامِر، وأحد أبرز المفكِّرين العرب الذين أبحروا خارج النَّسَق الديني النمطي، وقدَّم رؤيةً مُغايِرة عما هو سائدٌ من أفكار عقائدية. وُلِد في حمص عام ١٩٤١م لعائلةٍ حموية أزهرية، وعاش في فضاءٍ تنويري أتاح له أن يختار طريقَه بنفسه؛ فوالده الكاتب والصحفي «أحمد السواح»، رئيس تحرير جريدة «الفجر» السورية، وجَدُّه «نورس السواح» الذي كان شيخًا أزهريًّا درس علومَ الدين بالجامع الأزهر. درس «فراس» الاقتصادَ في جامعة دمشق، وتخرَّجَ منها عام ١٩٦٥م، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولكنه لم يُكمِل دراستَه فيه. استهوَته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرًا، فكتب في الصحف والمجلات السورية منذ عام ١٩٥٨م، ونشر أبحاثَه الأولى في الآداب اللبنانية عام ١٩٦٠م. وفي عام ١٩٧٦م أصدَر كتابه التأسيسي والرصين «مُغامَرة العقل الأولى»، وأصدر عام ١٩٨٥م كتابَه الشهير «لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة». ومنذ عام ١٩٨٦م تفرَّغ لدراسة التاريخ والأركيولوجيا والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكلٍ مستقل، فصدرت له الكثير من الكتب، مثل: «كنوز الأعماق: قراءة في مَلْحمة جلجامش»، و«تاريخ أورشليم»، و«مدخل إلى نصوص الشرق القديم»، و«موسوعة تاريخ الأديان»، و«الوجه الآخَر للمسيح»، و«الإنجيل برواية القرآن»، و«طريق إخوان الصفاء»، و«ألغاز الإنجيل»، و«القصص القرآني ومتوازياته التوراتية». وأصدَر في بكين بالتعاوُن مع الدكتور «تشاو تشنج كو» كتابًا باللغتَين الصينية والعربية عن الحكيم الصيني «لاو تسو». كما ساهَمَ بكتابَين باللغة الإنجليزية صدرا في بريطانيا، هما: «أورشليم بين التوراة والتاريخ»، و«جدليات إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فلسطين». كرَّمه الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والجمعية التاريخية السورية، وأمانة عمان. يعمل حاليًّا أستاذًا في تاريخ أديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.