«إن المشكلة التي خلَّفها وراءه الدكتور الصليبي لا تَكمن في محتوى نظريته بالدرجة الأولى، بل في المنهج غير التاريخي الذي طبَّقه على مسألةٍ تاريخية في غاية الحساسية؛ ذلك أنَّ المقولات غير المدعَّمة علميًّا التي تَصدر عن مُؤرِّخ مرموق، يُمكِن أن تقود إلى مَزالقَ ومتاهات أكثر مما تُوصِّل إلى حقائقَ تُساهم في النهضة التي يشهدها علم التاريخ وعلم الآثار اليومَ في هذه المنطقة من العالَم.»يُقدِّم هذا الكتاب رؤية نقدية لكتاب «التوراة جاءت من جزيرة العرب» ﻟ «كمال الصليبي»، الذي يُؤكِّد أن تاريخ اليهود والتوراة يرجع إلى جزيرة العرب، وبالتحديد في عسير والجزء الغربي المُطلِّ على البحر الأحمر، وليس فلسطين كما يظنُّ الجميع، ويستند في هذه النظرية إلى الدراسات اللغوية للأسماء الأصلية والتاريخية لمناطق جزيرة العرب، ومُقارنتها بالمناطق التي ورَدت في التوراة وشهدت قيامَ ممالك اليهود. ومن هذا المدخل يُحاول «فراس السواح» دراسةَ هذا المنهج اللغوي في تقصِّي أصل الحدث التوراتي، ومقارَنته بالمنهج الأركيولوجي الذي اعتمد عليه في دراسته، ويناقش أيضًا الإشكاليةَ الواقعة بين سؤاله حول المصداقية التاريخية للحدث التوراتي من خلال الاكتشافات الأركيولوجية ونفيها تاريخيةَ الحدث نفسه؛ وبين منهج «الصليبي» الذي ينطلق من التسليم بتاريخية الحدث التوراتي، ليُصبح السؤال حول جغرافيته.
فراس السواح: مفكِّرٌ لامع في سماء ميثولوجيا الشرق، ومؤرِّخٌ بارز في تاريخ الأديان، وفيلسوفٌ مُغامِر، وأحد أبرز المفكِّرين العرب الذين أبحروا خارج النَّسَق الديني النمطي، وقدَّم رؤيةً مُغايِرة عما هو سائدٌ من أفكار عقائدية. وُلِد في حمص عام ١٩٤١م لعائلةٍ حموية أزهرية، وعاش في فضاءٍ تنويري أتاح له أن يختار طريقَه بنفسه؛ فوالده الكاتب والصحفي «أحمد السواح»، رئيس تحرير جريدة «الفجر» السورية، وجَدُّه «نورس السواح» الذي كان شيخًا أزهريًّا درس علومَ الدين بالجامع الأزهر. درس «فراس» الاقتصادَ في جامعة دمشق، وتخرَّجَ منها عام ١٩٦٥م، ثم انتسب إلى قسم الفلسفة، ولكنه لم يُكمِل دراستَه فيه. استهوَته الميثولوجيا وتاريخ الأديان باكرًا، فكتب في الصحف والمجلات السورية منذ عام ١٩٥٨م، ونشر أبحاثَه الأولى في الآداب اللبنانية عام ١٩٦٠م. وفي عام ١٩٧٦م أصدَر كتابه التأسيسي والرصين «مُغامَرة العقل الأولى»، وأصدر عام ١٩٨٥م كتابَه الشهير «لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة». ومنذ عام ١٩٨٦م تفرَّغ لدراسة التاريخ والأركيولوجيا والميثولوجيا وتاريخ الأديان بشكلٍ مستقل، فصدرت له الكثير من الكتب، مثل: «كنوز الأعماق: قراءة في مَلْحمة جلجامش»، و«تاريخ أورشليم»، و«مدخل إلى نصوص الشرق القديم»، و«موسوعة تاريخ الأديان»، و«الوجه الآخَر للمسيح»، و«الإنجيل برواية القرآن»، و«طريق إخوان الصفاء»، و«ألغاز الإنجيل»، و«القصص القرآني ومتوازياته التوراتية». وأصدَر في بكين بالتعاوُن مع الدكتور «تشاو تشنج كو» كتابًا باللغتَين الصينية والعربية عن الحكيم الصيني «لاو تسو». كما ساهَمَ بكتابَين باللغة الإنجليزية صدرا في بريطانيا، هما: «أورشليم بين التوراة والتاريخ»، و«جدليات إسرائيل القديمة وبناء الدولة في فلسطين». كرَّمه الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والجمعية التاريخية السورية، وأمانة عمان. يعمل حاليًّا أستاذًا في تاريخ أديان الشرق الأوسط بجامعة بكين للدراسات الأجنبية.